موقع أ.د مصطفى مسلم
الموقع الرسمي لفضيلة الأستاذ الدكتور مصطفى مسلم

نشأة العولمة وتعريفها

شارك في التأليف: الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي.

نشأة العولمة:

خرجت دول أوروبا من الحرب العالمية الثانية منتصرة على دول المحور بدعم غير محدود من الولايات المتحدة الأمريكية ومشاركة فعالة منها، ولكن دول أوروبا كانت منهكة القوى مدمرة نتيجة الحرب الضروس التي دمرت المصانع والمواصلات والبنية التحتية فيها.

ورأت أمريكا – التي دخلت الحرب على غير أرضها – أن الفرصة سانحة لبسط نفوذها في الخارج، ولكن ليس عن طريق الهيمنة العسكرية وإنما عن طريق القوة الاقتصادية والتقدم التكنولوجي، فقدمت لأوروبا مساعدات مالية هائلة من خلال مشروع مارشال. وفي نفس الوقت حذرت من تنامي قوة المعسكر الشيوعي، فدعت إلى إنشاء حلف الأطلسي لحماية أوروبا من المد الشيوعي.

لقد عبر الرئيس الأمريكي – روزفلت – عن سياسة بلاده لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية باختصار إذ قال (إن قدرنا هو أمركة العالم، تكلموا بهدوء واحملوا عصا غليظة وعندئذ يمكن أن تتوغلوا بعيداً).

كانت نشوة الانتصار في الحرب العالمية الثانية، وبروز الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عسكرية واقتصادية كبرى في العالم يدعوها إلى التفكير في السيطرة على العالم. ولكنها لا تريد حروباً وإنما تريد سياسة العصا الغليظة والجزرة والكلام الهادئ كما قال رئيسها “روزفلت”.

ولكن كان لا بد من العمل على إزالة الخصم اللدود عن الطريق أولاً، ولا بد من شعارات يتقبلها المجتمع الدولي، فإن شعار أمركة العالم يشعر الشعوب والأمم بالخضوع والمهانة فهو شعار فج. ورأى دهاقنة السياسة ومصممو الأفكار والشعارات أن مقتل الاتحاد السوفيتي يكمن في أمرين:

الأمر الأول: إطلاق الحريات: على مستوى الأفراد:

حرية الرأي وحرية الكلام وحرية التملك والعمل، وعلى مستوى الشعوب حرية تقرير المصير.

والأمر الثاني: الاقتصاد والمستوى المعاشي للشعوب الحاضنة للاتحاد السوفيتي:

وبدأ العمل منذ العقد السادس من القرن العشرين لإبراز هذين الموضوعين في المحافل الدولية. وركز الإعلام الغربي على قضية اختراق الستار الحديدي ودعوة السوفيت إلى المناداة بحرياتهم.

وكانت دعوة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية – ريغان – إلى مشروع حرب النجوم[1] قاصمة الظهر للاقتصاد السوفيتي، كانت هذه الدعوة في العقد الثامن من القرن العشرين، وكان الاتحاد السوفيتي يلعق جراحه في أفغانستان.

وعندما أطلقت الدعوة إلى مشروع حرب النجوم كان الاتحاد السوفيتي بين خيارين أحلاهما مر:

الخيار الأول:

أن يدخل في سباق مع الولايات الأمريكية في حرب النجوم وهذا يعني إنفاقاً مالياً سيؤدي إلى عجز الاتحاد السوفيتي عن دفع رواتب جنوده. وبالتالي الانهيار الاقتصادي التام.

الخيار الثاني:

أن يتجاهل حرب النجوم ومعنى ذلك هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على العالم وسقوط هيبة الاتحاد السوفيتي كدولة عظمى.

وأثناء ذلك كانت الدعاية داخل الاتحاد السوفيتي تفعل فعلها في تحميل الحزب الشيوعي – الذي يحكم بالحديد والنار والقضاء على الحريات، وقتل التنافس بين الأفراد والجماعات، ووضع القيود على الممتلكات وهيمنة الدولة على مرافق الحياة كلها – جرائر ما يجري في الاتحاد السوفيتي، والدعوة إلى التحرر من كل ذلك وأخذ النموذج الغربي بل النموذج الأمريكي بالذات في الحياة العامة والخاصة، وكان عملاء الغرب، والمتعطشون للتخلص من أكبال الشيوعية والراغبون في العمل على توسيع ثرواتهم.. يعملون ليل نهار لتقويض الاتحاد السوفيتي من الداخل، وما حان عام 1994م حتى انهار الاتحاد السوفيتي كدولة عظمة لينشأ على أنقاضه دول مستقلة ومجموعات يربط بينها مصالح اقتصادية، أو حكومات عميلة تخضع للدول الأكبر مساحة وسكاناً وجيشاً، ومن هنا برز شعار العولمة في العقد التاسع من القرن العشرين. فماذا يقصدون بالعولمة؟

تعريف العولمة:

الكلمة الإنجليزية (Globalization) ترجمت إلى اللغة العربية: بـ(الكوكبة) و(الكونية) و(العولمة)، وكأي شعار يراد به ( ) التعمية والتفسيرات المختلفة، فإن العولمة تباينت تعريفات الباحثين حولها. فمنهم من عرفها بالمقصود منها والنتائج التي تترتب عليها فقالوا: إن المقصود منها أمركة العالم، أي الهيمنة الأمريكية. كما قال الرئيس الأمريكي – روزفلت – منذ نصف قرن.

ومنهم من عرفها بأساليبها المستخدمة في الدعوة إليها: فقالوا: العولمة هي المستجدات والتطورات التي تسعى بقصد أو بدون قصد إلى دمج سكان العالم في مجتمع عالمي واحد[2].


[1] يقصد بحرب النجوم إقامة قواعد فضائية حول الكرة الأرضية مزودة بالصواريخ الحاملة للرؤوس النووية وغيرها، يتم التحكم فيها من محطات أرضية، ويستطيع الخبراء توجيه هذه الصواريخ إلى أي مكان على الكرة الأرضية، وكذلك استخدام أشعة الليزر في تدمير القوة العسكرية في الفضاء وعلى الأرض.

[2] ينسب هذا التعريف إلى (مالكوم واترز) انظر العولمة جذورها وفروعها وكيفية التعامل معها. د. عبدالخالق عبدالله. ص53، من مجلة عالم الفكر المجلد الثامن والعشرين – العدد الثاني – 1999م.

 

قد يعجبك ايضا