موقع أ.د مصطفى مسلم
الموقع الرسمي لفضيلة الأستاذ الدكتور مصطفى مسلم

المجال الاقتصادي والاجتماعي للعولمة

شارك في التأليف: الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي.

العولمة هي المجال الاقتصادي:

لقد ساعدت الثورة العلمية والمعلوماتية التي اكتسحت العالم من بداية التسعينات على تسهيل حركة الأفراد والأموال والسلع والمعلومات والأفكار بين شعوب العالم وأقطاره، حيث تقلصت المسافات وانكمش الزمن، مما دفعت إلى سرعة انتشار مفاهيم العولمة وتداعياتها، ولعل أبرز المجالات التي ظهرت فيها آثار الدعوة إلى العولمة هي المجال الاقتصادي (العولمة الاقتصادية):

فالدعوة إلى العولمة الاقتصادية رفعها دهاقنة العولمة ومصمموها، يمنون فقراء العالم بالرفاهية وارتفاع مستوى المعيشة ودعت إلى حرية السوق، وتيسير سبل انتقال الأموال والسلع والخبرات بين الدول. وذلك من خلال:

1- وضع التخطيط الاقتصادي للدول بيد المؤسسات الدولية: وتنظيم الاقتصاد العالمي عن طريق المؤسسات التي تهيمن عليها الدول الصناعية الكبرى، فأصبح للبنك العالمي، وصندوق النقد الدولي، والمنظمة العالمية للتجارة اليد الطولى في وضع السياسة الاقتصادية لدول العالم وبخاصة الدول النامية والفقيرة.

ولكن سرعان ما تكشف أن الأصابع التي تحرك هذه المؤسسات الدولية أصابع رؤوس الأموال الغربية، وأصبح 358 مليارديراً يملكون ما يساوي مجموع ما يملكه نصف سكان العالم، وأن 20% من دول العالم هي الأكثر ثراء، وتستحوذ على 85% من مجموع مدخرات العالم[1].

2- القضاء على الشركات المحلية: وأدت سياسة العولمة الاقتصادية إلى انتشار الشركات المتعددة الجنسيات، وابتلاعها الشركات المحلية وخاصة في العالم الثالث والاستحواذ على الخامات المحلية، ورفع أسعار السلع المصنعة، وأدى إلى إعلان إفلاس كثير من المصانع والشركات الصغيرة نسبياً وسرح العاملون منها وارتفعت نسبة البطالة في العالم مما أدى إلى أن تتسع الفجوة بين الفقراء الذين ازدادوا فقرا، وبين الأغنياء الذين ازدادوا غنى. إن العولمة الكوكبية تستهدف الشرائح القادرة على الاستهلاك في كل مكان. فلا مكان للفقراء في حساب الشركات المتعددة الجنسيات، وهي تنظر إلى كوكب الأرض وقد جعلته سوقاً واحدة مفتوحة أمام بضائعها[2] فأدى ذلك إلى ظهور مشكلات عابرة للقارات: كالمخدرات وجرائم غسيل الأموال، وتلويث البيئة، والأمراض الفتاكة. وإلى عولمة الفقر والقضاء على الطبقة المتوسطة، وتحويل مجتمع الرخاء إلى واحات الثراء.

بل أصبحت القوة الاقتصادية سلاحاً فعالاً في أيدي الدول الكبرى لإسقاط نظم الحكم أو الضغط عليها لاتباع سياسات معينة، وذلك بأسلوب إغلاق حنفيات الاستثمارات المالية، أو حض رؤوس الأموال على الهجرة، أو الضغط على عملة معينة لتتدهور وتنهار[3].

العولمة هي المجال الاجتماعي:

إن العولمة تهدف بأساليبها وممارساتها من خلال إعلامها الجبار أن تغير البنية الاجتماعية للشعوب والأمم، وتستهدف المقومات الأساسية في بناء المجتمعات لتزيلها وتقيم مكانها روابط جديدة حسب مفاهيم العولمة.

1- العولمة والأسرة:

إن الكثير من المجتمعات تقوم على أساس الأسرة التي تكون نواتها الأساسية من الزوجين الذكر والأنثى يربط بينهما ربط مقدس هو عقد النكاح، وتكون محضن الأولاد يبذلون جهودهم لتربيتهم حسب مبادئ وأسس معتقدات كل شعب من شعوب العالم.

إن من أساسيات ما تستهدفه العولمة إزالة هذا الأساس وهذه المقومات في المجتمع بالقضاء على روابط الأسرة ومقوماتها.

عقدت مؤتمرات السكان والمرأة في بكين والقاهرة واستانبول – في العقد الأخير من القرن العشرين – تحت مظلة الأمم المتحدة ومؤسساتها لتدعو إلى تحرير المرأة من جميع القيود التي تحدد سلوكياتها.

لقد ارتفعت أصوات قوية في هذه المؤتمرات تدعو إلى إباحة تكوين الأسرة من ذكرين أو من أنثيين. وإلى إعطاء حق الطلاق للمرأة كما للرجل وإلى حق الإجهاض بل إلى تعدد الأزواج لهن. وإباحة الزنا للمراهقين والمراهقات، واعتبار الزواج من الفتيات قبل سن الرشد الثامنة عشرة جريمة يعاقب عليها القانون.

ولئن كان الشواذ لم يجدوا آذاناً صاغية لمطالبهم في حقبة ما قبل العولمة أما في ظل العولمة فقد خرجوا إلى السطح وبدأوا بتشكيل التجمعات والمطالبة بقوة بحمايتهم وتغيير نظرة المجتمع إليهم، فأصدر رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السابق أمراً بإعادة الاعتبار إليهم وقبولهم في الجيش الأمريكي الذي كان يرفضهم في السابق، ودخل الشواذ ضمن قائمة الفئات في انتخابات الرئاسة الأمريكية. والآن بدأ بالمطالبة أن تفتح المحاكم في الولايات المتحدة الأمريكية أبوابها لزواج المثليين (الذكر بالذكر) أو (الأنثى بالأنثى)، وقد سبقت بعض دول أوروبا إلى هذا العمل الشنيع بعد أن استجابت بعض الكنائس لضغوطهم ومنحت بركتها للشواذ وأجرت مراسم زواجهم في قاعاتها الرسمية.

إنه درك من الهبوط لم تهبط البشرية إليه قط في تاريخها كله، فكل ما ينادون به من القبائح قد حدث في تاريخ الأمم ولكن لم تكن له شريعة، إنما كان يرتكب خفية أو شبه خفية، ثم إنه لم يكن واسع الانتشار، لأن النفس البشرية – التي كرمها الله تعالى – كانت تستبشع أن تمارس الانحطاط الحيواني باسمه الصريح والحالات الشاذة كحالة قوم لوط تعتبر بالنسبة لمجموع البشرية حالة فردية شاذة ملعونة في الأرض والسماء[4].

 

2- العولمة والجريمة:

وكلما امتد سلطان العولمة امتد سلطان الجريمة، لأن استئثار الشركات الضخمة برؤوس الأموال والسعي وراء الأرباح يدفعها لتقليص النفقات ولا يكون ذلك إلا بإحلال التقنيات الحديثة محل اليد العاملة، فكثر العاطلون عن العمل، وبالتالي تنتشر الجريمة في المجتمعات الجائعة، لقد تباهى رئيس شركة (ميكروسيستمز) أن ستة من الموظفين في مقر الشركة يشغلون من وراء القارات ستة عشر ألف من العمال الهنود، بعد أن استغنى في مقر الشركة عن خدمة عشرات الألوف من الموظفين والعمال، في المستقبل القريب سيتخلى عن هؤلاء ليقللهم إلى نصف العدد.

 

3- العولمة والقيم:

إن نتائج العولمة على المجتمعات مدمرة، لأنها تسعى إلى تغيير القيم الاجتماعية وتقدم إلى الناس اللذة بأيسر طريق، فإذا تخلى الناس عن قيمهم سهل انقيادهم وراء شهواتهم إلى ما يريدون.

ويسعى أرباب العولمة أن تحل رابطة المصلحة محل رابطة العقيدة والقيم الخلقية بين الناس، فحيثما رأى الناس مصالحهم جروا وراءها. وبالتالي فهم يلوحون للناس باللذة وسراب مجتمع الرفاه الذي لا يصلون إليه أبداً.

لقد رافق الدعوة إلى العولمة فرض الإباحية الغربية، والإلحاد والفساد الخلقي، والفوضى الجنسية، والشذوذ والانحراف، لتكون قانوناً عاماً.

كما رافقها الدعوة إلى مساواة المرأة بالرجل إلى حد إلغاء الفوارق الطبيعية الفطرية.


[1] انظر فخ العولمة، ص25.

[2]انظر العولمة وتهميش الثقافة الوطنية، د. أحمد مجدي حجازي، مجلة عالم الفكر، ص129.

[3] يذكر في هذا الصدد ما جرى للمكسيك، وماليزيا، وإندونيسيا، ولما كان يسمى بالنمور الآسيوية، انظر ظاهرة العولمة: الواقع والآفاق، د. الحبيب الجناحي، ص19، 20.

[4] المسلمون والعولمة، محمد قطب، ص13.

 

 

قد يعجبك ايضا