التعريف بسورة الفرقان
اسمها:
تسمى سورة (الفرقان) حيث وردت التسمية في الحديث الصحيح، أخرج مالك، والشافعي، والبخاري، ومسلم، وابن حبان، والبيهقي في سننه عن عمر بن الخطاب قال: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدت أساوره في الصلاة، فتصبرت حتى سلم فلببته بردائه، فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: كذبت، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت. فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسله، أقرئنا هشام، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أنزلت، ثم قال: أقرئنا عمر فقرأت التي أقرأني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه[1].
عدد آياتها:
عدد آيات سورة الفرقان سبع وسبعون آية في قول جميع القراء[2])، وهي السورة الثانية والأربعون في ترتيب النزول، نزلت بعد سورة يس وقبل سورة فاطر[3] وهي السورة الخامسة والعشرون في ترتيب المصحف.
المرحلة الزمنية لنزولها:
سورة الفرقان مكية في قول الجمهور.
وعن ابن عباس وقتادة: هي مكية إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة وهي:
﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ ﴾ [الفرقان: 68].
والصحيح عنه – عن ابن عباس – أن هذه الآيات الثلاث مكية كما في صحيح البخاري في تفسير سورة الفرقان: عن القاسم بن أبي بزة أنه سأل سعيد بن جبير: هل لمن قتل مؤمناً متعمداً من توبة؟ فقرأت عليه ﴿ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ فقال سعيد: قرأتها على ابن عباس كما قرأتها عليَّ، فقال: هذه مكية نسختها آية مدنية التي في سورة النساء[4]. يريد قوله تعالى ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93].
وعن الضحاك: أنها مدنية إلا الآيات الثلاث من أولها إلى قوله: ﴿ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا ﴾ [الفرقان: 3][5] وهو قول شاذ لم ينقل عن غيره.
وأسلوب السورة وأغراضها شاهدة بأنها مكية كلها. وأنها تمثل المرحلة الثالثة من مراحل السور المكية:
فإن المشركين في مكة وقفوا من دعوة الحق مواقف متباينة فيه تدرج، وهو شأن البشر تجاه الدعوات الجديدة التي تهدف إلى تقويض الدعائم التي تقوم عليها المجتمعات، وتسعى إلى ترسيخ دعائم جديدة ومبادئ جديدة لإقامة الصرح الاجتماعي عليه. فمن العادة أن يتلقى الزعماء والقادة ومن بيدهم السلطة الدعوة الجديدة حسب المراحل والخطوات الآتية:
أ- عدم المبالاة بها وبالقائم بالدعوة لأنه ينادي في قوم قلَّ من يسمع له، فهي صرخة في واد أو نفخة في رماد. ويتربصون به ريب المنون ينتهي مع دعوته ويمضي كما مضى غيره من الشعراء وأهل الآراء الغريبة ﴿ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ * قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ ﴾ [الطور: 30 – 31].
ب- محاولة التعرف على ما يريده صاحب الدعوة ومحاولة ثنيه عن دعوته بالترغيب والترهيب، وذلك بعد أن يزداد عدد أتباع الداعية، وربما دخل في الدعوة بعض المقربين من الزعماء وبعض حاشيتهم وأقربائهم الأدنين، فيشعرون بخطورتها على مصالحهم وأهوائهم.
فمن مساومة على العقيدة ﴿ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ﴾ [القلم: 9].
حيث قالوا: اترك سب آلهتنا وتسفيه أحلامنا، ونتركك وشأنك وربما عرضوا عليه أن يعبد آلهتهم سَنة ويعبدون إلهه سَنة ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ [الكافرون: 1 – 2].
وربما عرضوا عليه المال والجاه والنساء “… إن كنت تريد زعامة سوَّدناك علينا، فلا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد نساء زوجناك عشراً من فتياتنا…”[6].
جـ- فإن لم تنفع المساومة حاولوا إلقاء الشبه على دعوته (الأفكار) وإلقاء الشبه على سيرته (السلوك)، أو المطالبة بالبينات والخوارق المادية والتعجيزية.
د- فإن لم تنفع المحاولات السابقة كلها لجؤوا إلى الإيذاء والمقاطعة الاقتصادية والحبس والنفي أو محاولة التصفية الجسدية.
وسورة الفرقان تمثل المرحلة الثالثة إثارة الشبهات حول الدعوة وإثارة الشبهات حول الداعية.
فألقوا تهمهم وافتراءاتهم جزافاً على القرآن العظيم:
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا * وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الفرقان: 4 – 5].
كما حاولوا التشكيك في شأن الرسول صلى الله عليه وسلم ﴿ وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا * أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا ﴾ [الفرقان: 7 – 8].
[1] انظر الجامع الصحيح للإمام البخاري، كتاب الخصومات، باب كلام بعضهم في بعض: 3/ 90؛ ومسند الإمام أحمد: 1/ 40.
[2] انظر منار الهدى للأشموني، ص 198؛ وحاشية الشهاب على البيضاوي: 6/ 405.
[3] انظر الإتقان في علوم القرآن للسيوطي: 1/ 72، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم المكتبة العصرية – بيروت.
[4] انظر صحيح البخاري، كتاب التفسير: 6/ 15.
[5] التحرير والتنوير لابن عاشور: 18/ 313.
[6] السيرة النبوية لابن هشام: 2/ 36.