أهداف وخصائص الثقافة الإسلامية
شارك في التأليف الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي.
1- تكوين الشخصية الإسلامية: المتميزة في معارفها، المطبقة لثوابت معتقداتها وشرائع ربها، المعتزة بإسلامها، المطلعة على ثقافة عصرها، المتبنية لقضايا أمتها.
2- عرض الإسلام عرضًا مبسطًا يتلاءم مع روح العصر، وأساليب منابره الدعائية والإعلامية.
إلقاء الضوء على التحديات التي تواجه المسلمين، وترسم لهم طريق الخلاص وسبيل النجاة.
خصائص الثقافة الإسلامية:
تتسم الثقافة الإسلامية بخصائص تميزها عن غيرها من الثقافات السائدة في الأرض ومن أبرز هذه الخصائص:
1) الربانية:
لأن الثقافة الإسلامية تستمد معارفها من الوحي الإلهي (الكتاب والسنة) وما استنبطه العلماء المسلمون من هداياتهما، وهي تدعو إلى توحيد الله تعالى وإلى مكارم الأخلاق، وإحقاق الحق ورفع الظلم، وصلة الأرحام، وإلى نشر الخير، وتصبغ الأمة بالصبغة الربانية ﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴾ [البقرة: 138].
لقد كان التزام المسلمين بهذه الصبغة خير دعاية لمبادئهم مما جعل الشعوب يدخلون في دين الله أفواجًا، وفتحت لثقافتهم وأخلاقهم القلوب قبل البلدان.
2) ملاءمتها للفطرة الإنسانية:
فالذي خلق الإنسان هو الذي أوحى إلى رسوله محمد بهذه الهدايات؛ لإصلاح شأن الإنسان وتنظيم علاقاته مع غيره، وبيان واجباته تجاه خالقه، لذا كانت منطلقات هذه الثقافة لإصلاح الإنسان من داخله، بتلبية حاجاته الفطرية التي أودعها الله سبحانه وتعالى فيه، وتهذيب غرائزه وتنظيمها، والإجابة على تساؤلاته العقلية، وتحريره من الخرافات والأوهام، وإشباع أشواقه الروحية، فأدخلت الطمأنينة إلى نفسه وحققت له السعادة والرضا.
3) الإيجابية:
تتسم الثقافة الإسلامية بالإيجابية، فهي تطلق الطاقات الكامنة في الإنسان، وتوجهها إلى البحث العلمي، والاستكشافات في الكون المحيط به والتعرف على سنن الله فيه، وتسخيرها لمصلحة البشرية، فمن مهمات الإنسان في هذه الحياة: الاستخلاف في الأرض وإعمارها، يقول عز من قائل: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 165].فالكون كله ميدان لعمل الإنسان وتجاربه.
4) الشمول والكمال:
الثقافة الإسلامية تأخذ شمولها وكمالها من الرسالة الإسلامية الخالدة التي يقول عنها منزلها: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، فالهدايات الإسلامية شملت تعامل الإنسان مع نفسه، ومع من حوله، وما حوله – من الجماد والنبات والحيوان والإنسان – فتجد القواعد العامة لذلك كله، وفصلت في كيفية تعامل الإنسان مع الإنسان؛ لأن أصل الهدايات تنصب عليه، فهو أكرم المخلوقات على هذه الأرض عند الله، فلم يتركه ليكون حقل تجارب للاجتهادات البشرية؛ فيشقى بالأنظمة والتشريعات الوضعية.
5) التوازن والاعتدال:
تتصف الثقافة الإسلامية بالاعتدال والتوازن في بناء الشخصية الإسلامية، فتراعي متطلبات الروح والمادة في الإنسان، والاعتدال والتوازن في إقامة المجتمع الإسلامي، فتحافظ على مصلحة الفرد والجماعة ولا تفرط في جانب لحساب الجانب الآخر، كما تتصف الثقافة الإسلامية على صعيد الحياة كلها بالتوازن بين متطلبات الحياة الدنيا ومقومات السعادة في الدار الآخرة. يقول الله عز وجل: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77].
6) المثالية الواقعية:
ليس في الإسلام قضايا مثالية غير قابلة للتطبيق، فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، إلا أن الثقافة الإسلامية ترفع من شأن الإنسان وتسمو بفكره وروحه، وتكسبه الشفافية في المشاعر، بحيث يكون الإنسان متميزًا بعقيدته وأخلاقه وسلوكه في تعامله مع الناس، ولا يعرف المسلم شعارات للتصدير وأخرى للتطبيق، بل حياته وسلوكه تطبيق عملي لحقائق الإسلام. يقول عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2-3]. إن تطبيق سلف هذه الأمة ما دعوا الناس إليه على أنفسهم أولًا، جعل الناس ينبهرون بأخلاقهم وأفعالهم؛ فدخلوا في دين الله طواعية رغبة لا رهبة، فامتدت دولتهم من طنجة إلى جاكرتا.
7) عالمية الآفاق:
لما كان مصدر الثقافة الإسلامية مصدرًا ربانيًا؛ كانت الثقافة الإسلامية موضوعية الحلول لمشاكل العالم، لم تتسم بسمات شعب معين ولم تتأثر بعادات قوم وتقاليدهم، فهي تتناول قضايا الإنسان ومشكلاته باعتباره إنسانًا مخلوقًا لمهام معينة وذا غرائز وطباع محددة.. بقطع النظر عن كونه يعيش في منطقة معينة من العالم أو في عصر معين.. فهي ثقافة مجردة عن الزمان والمكان وتأثير البيئات، لذا كان شعاراتها ومقاييسها وحلولها عالمية موضوعية.
8) الجمع بين التطور والثبات:
لقد تمثلت عظمة الإسلام ومبادئه الخالدة في عنصر الثبات والخلود، وعنصر المرونة والتطور معًا، مما جعله صالحًا لكل زمان ومكان.
فالثبات على الأهداف والغايات أضفى القدسية والاحترام على مبادئه، وأدخل الطمأنينة على نفس معتنقيه، والمرونة في الوسائل والأساليب أضفت الحيوية واستيعاب المستجدات في الشؤون الدنيوية، والعلوم التجريبية. فمثلًا الشورى والحكم بالعدل من الثوابت، أما الوسيلة فمتروكة للاجتهاد.
وهذان التطور والثبات ملائمان لسنن الله في الكون وفي الفطرة الإنسانية، فإن فيهما الثبات الدائم والمتغير المتحول. وبهذه الخصيصة تستطيع الأمة الإسلامية أن تستمر وترتقي في مدارج التقدم الحضاري مع المحافظة على قيمها وعقائدها وأخلاقها[1].
[1] انظر هذه الخصائص وغيرها في: معالم الثقافة الإسلامية للدكتور عبدالكريم عثمان ص(87) وما بعدها. ولمحات في الثقافة الإسلامية لعمر عودة الخطيب ص63 وما بعدها، والخصائص العامة للإسلام للدكتور/ يوسف القرضاوي.