موقع أ.د مصطفى مسلم
الموقع الرسمي لفضيلة الأستاذ الدكتور مصطفى مسلم

تعريف الثقافة الإسلامية والفرق بينها وبين العلم والمدنية والحضارة

شارك في التأليف الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي.

تعريف الثقافة:

الثقافة لغة: مادة (ثقف) في اللغة لها دلالات: التقويم، والإدراك، والحذق، ثقال: ثقف الشيء: أقام المعوج، ومنه: ثقفت الرمح أقمت المعوج منه، وسويته.

والثقاف والمثقف: أداة من خشب أو حديد تقوَّم بها الرماح لتستوي وتعتدل. والمعنى الثاني لمادة (ثقف): الإدراك والملاقاة وجهاً لوجه[1].

ومن هذا المعنى قوله تعالى: ﴿ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأنفال: 57].

كما تدل كلمة ثقف على الحذق والمهارة ومنه قولهم: فلان ثقفٌ لقف، أي: حاذق يتلقف المعلومات، ويستوعبها بسرعة.

أما تعريف الثقافة اصطلاحاً:

فقد اختلفت أقوال المعرفين لها -مع مراعاة المعاني السابقة-، ومع خاصية ثقافة كل أمة، وبما أننا نعرف الثقافة الإسلامية، فالتعريف المفضل الجامع لها هو:

“مجموعة المعارف والمعلومات النظرية، والخبرات العملية المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية، التي يكتسبها الإنسان، ويحدد على ضوئها طريقة تفكيره، ومنهج سلوكه في الحياة”.

فمن شأن ثقافة المرء أن تؤثر على عقله، فتقوم طريقة تفكيره، فإذا تعلم الإنسان معارف معينة، وأدرك أبعادها وحذق فيها، قومت فكره، وبالتالي استقام سلوكه وفق تلك المعارف، بالمعلومات المستمدة من الوحي الرباني، وما أنتجته العقول المستنيرة بنور الوحي، فتجعل المثقف المسلم أنموذجاً فريداً في تفكيره وسلوكياته ومنهج تعامله مع الآخرين.

 

الفرق بين الثقافة والعلم والمدنية والحضارة:

(أ) العلم: هو إدراك الشيء على حقيقته[2].

وحقائق الأشياء التي يصل إليها الإنسان لا تخضع لثقافة الباحث، ولا تتأثر بمعتقده؛ فحقيقة كون الأجسام تتمدد بالحرارة، وتتقلص بالبرودة إلا الماء فإنه بالعكس. هذه الحقيقة لا تتأثر بإلحاد الملحد، ولا إيمان المؤمن، وسواء أجريت هذه التجربة في بلاد المسلمين، أم في بلاد النصارى أم في بلاد الشيوعيين؛ فإن النتيجة هي هي، ولكن صاحب أي معتقد قد يسخر الحقيقة العلمية للاستدلال بها على معتقده، فالمؤمن يستخدم الحقيقة السابقة لبيان حكمة الله في ذلك للحفاظ على الحياة الحيوانية والنباتية في البحار والمحيطات؛ لأن تمدد الماء “الجليد” بالبرودة يخفف من الكثافة النوعية؛ ليطفو الجليد على سطح الماء وتبقى حرارة الماء محفوظة في الأعماق؛ وتعيش الكائنات البحرية حياتها الطبيعية، كما أن صعود الطبقة الجليدية على سطح المياه يعرضها للهواء ولأشعة الشمس فتذوب ثانية.

إن هذه السنة الكونية خلقها الله سبحانه وتعالى؛ لتبقى الكتلة المائية الهائلة على كوكب الأرض تؤدي وظيفتها التسخيرية للإنسان ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً… ﴾ [لقمان: 20].

(ب) المدنية:

مأخوذة في الأصل من سكنى المدن، يقال: تمدن أي عاش عيشة أهل المدن[3]، وتَنَعَّمَ بأسباب الرفاهية ووسائلها.

(ج) الحضارة:

في الأصل تطلق في عرف اللغويين على الإقامة في الحضر وهي تقابل البداوة، قال القطامي:

ومن تكن الحضارة أعجبته 
فأي رجال بادية ترانا[4] 

 

ولم يفرق كثير من الكتاب المعاصرين بين المدنية والحضارة، وربما لم يفرق بينهما وبين الثقافة، ولكن ينبغي مراعاة الدلالة اللغوية في المعنى الاصطلاحي، لذا فنحن نرجح التفريق بين المصطلحات الثلاثة:

• فالثقافة: تطلق على الجانب المعنوي من المعارف، والخبرات والعلوم والآداب.

• والمدنية: تطلق على الجانب المادي من الوسائل التي تستخدم في رفاهية الأمة.

• والحضارة: تشمل الجانب المعنوي والجانب المادي فهي أعم، وعلى ذلك فإن تعريف الحضارة في الاصطلاح: هي حصيلة ما قدمته أمة، خلال حقبة تاريخية من المعارف والعلوم، وما استخدمته من وسائل الرفاه، والتقدم الاجتماعي.

ولئن كانت الثقافة تميز كل أمة عن غيرها، فالمدنية بإطلاقها على الوسائل المادية وهي التطبيقات العملية للحقائق العلمية، تكون مشاعة بين الشعوب والأمم لأنها لا تتصف بفكر ولا تصبغ بعقيدة.

وبما أن الثقافة تحدد سلوكيات الأمة الحضارية، فلا بد أن تكون حضارة كل أمة متميزة عن حضارة الأمم الأخرى.

لذا نجد أن القرآن الكريم قد مدح حضارات؛ لأنها أقامت العدل بين الناس وأشفقت على الضعفاء وأخذت على يد الظالمين، واستخدم التقنية المادية التي وصلت إليها في إحقاق الحق ودفع الظلم ورفاهية شعوبها، والأنموذج الذي يسوقه القرآن الكريم على الحضارات الربانية حضارة داود وسليمان عليهما السلام[5] والحضارة التي أقامها ذو القرنين[6].

أما الحضارة التي سامت الناس الخسف، وقهرتهم وأخضعتهم لسلطانها وجبروتها، واستخدمت قوتها المادية وتقنياتها للعلو في الأرض والإفساد في الأرض واتباع الهوى والشهوات فهي حضارات جاهلية، ذمها القرآن الكريم وبين أن عاقبة أصحابها كان الدمار والخراب في الدنيا، والعذاب المخلد يوم القيامة.

وضرب القرآن الكريم نماذج لهذه الحضارات الجاهلية:

• حضارة قوم عاد بالأحقاف جنوب الجزيرة العربية.

• وحضارة قوم ثمود بمدائن صالح شمال الجزيرة العربية.

• وحضارة الفراعنة في مصر[7].

وجاءت قصصهم وتفصيلاتها في أكثر من موضع في القرآن الكريم.


[1] المفردات للراغب الأصفهاني في مادة (ثقف) ص 107. ولسان العرب لابن منظور 9/19.

[2] عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ/ 377.

[3] المعجم الوسيط 2/859.

[4] لسان العرب 4/197، والمعجم الوسيط 1/181.

[5] قال تعالى: ﴿ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ * وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ * وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ * وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ ﴾ [الأنبياء: 78-82].

[6] قال تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا * قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا * كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ﴾ [الكهف: 83-95].

[7] قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [الفجر: 6-14].

 

قد يعجبك ايضا