أهداف العولمة الثقافية
شارك في التأليف: الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي.
1- استهداف هوية الأمة وثقافتها:
الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يكيف سلوكه وفق معتقداته وثقافته، فإذا أردت إحداث تغيير في مجتمع ما، لا بد من تغيير ثقافته ونظرته إلى الإنسان والكون والحياة وفلسفته في ذلك.
ودعاة العولمة يريدون إحلال ثقافة مكان ثقافة، ومعتقدات مكان أخرى وإحلال فلسفة محل فلسفة.
وأدرك دهاقنة العولمة ومهندسوها ما للإعلام من دور وللصورة الجذابة من تأثير فسخروها لغزو ثقافة المصلحة واللذة العاجلة مكان القيم والأخلاق والعقائد.
وأسندوا إلى هوليود وإلى وكالات الإعلان في نيويورك لتقرير المنتوجات الثقافية الأكثر رواجاً للتسويق في العالم، وبما أن الغرب يدرك طبيعة الإسلام التي تستعصي على التذويب والتمييع فهم يعدون للمنازلة القادمة مع الإسلام ويعتبرونه العدو الأول للحضارة الغربية، يقول روبرت كابلان -الخبير الأمريكي بشؤون العالم الثالث -: في هذا الجزء من العالم سيكون الإسلام بسبب تأييده المطلق للمقهورين والمظلومين أكثر جاذبية، فهذا الدين المطرد الانتشار على المستوى العالمي هو الديانة الوحيدة المستعدة للمنازلة والكفاح[1].
2- التعليم ومناهجه:
لقد رفع في الغرب شعار صراع الحضارات مع ظهور الدعوة إلى العولمة والتضييق على المسلمين في كل المجالات، ورافقها الضغط على المسؤولين في العالم الإسلامي بتنفيذ مخططات معينة:
تقليص المدارس الشرعية وإغلاق مدارس تحفيظ القرآن الكريم، وتغيير مناهج الجامعات الإسلامية وتقليص مجالات الدراسات الشرعية فيها وتطعيمها بالدراسات العلمية العامة والتقنيات الحديثة. وتغيير مناهج وزارات التربية والتعليم وحذف النصوص الشريفة من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، وخاصة التي تذم اليهود والنصارى وتدعو إلى عدم ولائهم أو عدم الاطمئنان إليهم. وإقامة دورات لخطباء الجمعة والأئمة في المساجد لتلقينهم المبادئ التي ينبغي أن يراعوها في مخاطبتهم للجماهير، وعلى رأسها تجنب إثارة بغض اليهود والنصارى، وفي حال قراءة الآيات التي تتعلق بهم فلا يعلقوا عليها. وكل من يخالف تلك المبادئ يفصل من وظيفته.
3- ثقافة الاستهلاك:
إن الأنماط التي تحملها وسائل الإعلام على مختلف الأصعدة، والتي تدعو إلى اقتفائها بصورة غير مباشرة، تحمل إلينا رسالة العولمة التي تحاول إيجادها في واقع الحياة.
إننا نشاهد دائرة التقليد لهذه الأنماط تتسع يوماً بعد يوم بفعل تأثير الإعلام (المعولم)، فالمظاهر التي تبرز من خلال الملابس وقبعات الرأس ونوعية المآكل والمشارب والوجبات السريعة.
كل ذلك يدل على الثقافة الاستهلاكية التي تبثها وسائل الإعلام لتحل محل أعراف وعادات وتقاليد نشأت عليها الأجيال، وهذا لون من ألوان ثقافة العولمة التي تريد حمل الناس عليها.
إن الفهم الغربي لعولمة الثقافة ينبعث من منطلق سيادة الثقافة الحداثية الغربية على كافة الثقافات. وقد صرح عدد من أعمدة الفكر الغربي المعاصرين مثل (فرنسيس فوكوياما) أن عولمة الثقافة لا تتأتى إلا بسيطرة ثقافة معينة على الثقافات المتعددة.
لقد يسرت وسائل الاتصال صياغة العقول والأفهام حيث حملت أفكار الغرب إلى كل بيت وإلى كل فرد من أفراد المجتمع.
كانوا قديماً يأخذون أولاد الأشراف والأثرياء والسادة من أفريقيا، وآسيا إلى عواصم دول أوروبا لتغيير مناهجهم وتلقينهم لغاتهم وعاداتهم وأساليب الحياة الغربية، ثم يعيدونهم إلى بلدانهم ليكونوا حاملي لواء الدعوة إلى التغريب بين بني جلدتهم، وبالرغم من كثرة البعثات التي أرسلت إلى الغرب بطلب من دولها، أو برغبة من دول العالم المتخلف فقد كان أثرهم محدوداً.
أما اليوم ونتيجة تطور وسائل الإعلام والاتصال فقد غزت الثقافة الغربية ونمط حياتها كل بيت، وفي كل ساعة، فقد أصبح التلفزيون الذي يبث على مدار الساعة برامجه المختلفة وبأسلوب جذاب يجعل أفراد الأسرة على مختلف مستوياتهم وبمختلف أعمارهم يتلقون هذه البرامج ويتعرضون لهذه المتغيرات بهدوء وبطواعية تامة لينصبغوا الصبغة الغربية معتقداً وثقافة وسلوكيات اجتماعية.. أما شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) فلها شأن آخر في عرض الأفكار والقيم والمغريات.
[1] الإسلام العولمة، محمد إبراهيم مبروك، ص110.