آثار العلمانية في مجال الحكم والتشريع في العالم الإسلامي
شارك في التأليف: الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي.
تمكن العلمانيون من إلغاء الخلافة الإسلامية، وتحويل دساتير الدول التي أقامها المستعمر إلى دساتير علمانية بعضها ينص على علمانية الدولة، وبعضها – من باب ذر الرماد في العيون – ينص على أن دين رئيس الدولة الإسلام، وبعضها ينص أن دين الدولة الإسلام، وبعضها يجعل الإسلام مصدراً من مصادر الدستور كالعرف والعادة.
وبالتالي أحلوا الدساتير الأجنبية وقوانينها محل الشريعة الإسلامية في الحكم والقضاء وأنظمة الدولة، ولم يبقوا سوى قانون الأحوال الشخصية المتعلق بالزواج والطلاق والإرث مستمداً من الشريعة الإسلامية، وحتى قانون الأحوال الشخصية عبثت به بعض الدول ليجعلوا قيوداً على الزواج والطلاق والإرث.
إن العلمانيين جعلوا الدولة تنخلع من الإسلام وترتدي لباس العلمانية في كل شؤون الدولة، ولم يعيروا اهتماماً للآيات التي تقول: ﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [النساء: 65]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44]، ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [المائدة: 45]، ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 47].
بل أطلق العلمانيون العنان لأقلامهم ليشككوا في الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان، ويدعون إلى التخلص منه جملة وتفصيلاً كما فعلت أوروبا بالنصرانية.
وكلما ارتفعت أصوات أبناء المسلمين بالعودة إلى الإسلام ونبذ القوانين الغربية الوضعية التي أتت بالويل والدمار على البلاد والعباد من المظالم والانحرافات والتبعية للغرب، تعلل العلمانيون بأن في البلاد طوائف غير إسلامية لا بد من مراعاة أوضاعها ومشاعرها، وكأن هذه الطوائف والأقليات غير الإسلامية لم تكن موجودة قبل مجيء العلمانيين، وكانوا مواطنين في الدولة الإسلامية يتمتعون بجميع حقوق المواطنة، وأحلوا مفهوم الولاء للقومية والوطنية والإقليمية وأي رابطة غير إسلامية، محل الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين.