آثار الحج على مستوى الجماعة
شارك في التأليف الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي
أ- إن مشهد الحجيج وهم على صعيد عرفات، ومشهدهم وهم يفيضون منها، ومنظرهم وهم يرمون الجمرات، وهذه السيول البشرية المتدفقة وهي تسعى بين الصفا والمروة، وهي تطوف بالكعبة، يبرز عظمة الإسلام في تذويب الفوارق بين طبقات المجتمع الواحد، وإزالة الحواجز بين الشعوب والأعراق والأجناس لصهرهم في بوتقة التوحيد وتوجيههم إلى المقاصد العليا والأهداف السامية في الحياة.
ب- إن وجود هذه الجموع الغفيرة من الناس مع اختلاف انتماءاتهم العرقية والإقليمية وتباين لغاتهم وعاداتهم، الذين قدموا من كل فج عميق على الكرة الأرضية، يؤدون مناسكهم في جو من السكينة والابتهال إلى الله تعالى، فتلبيتهم واحدة (لبيك اللهم لبيك) وقبلتهم واحدة ﴿ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ [الحج: 29]، ووقوفهم في مكان واحد ﴿ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ﴾ [البقرة: 199]، ولباسهم الموحد… كل ذلك يشعر بوحدة الأمة الإسلامية: في الهدف والغاية، والمنهج والأسلوب، ومشعرة بقوة الأمة وعظمتها.
ج- إن الدولة المعاصرة تعقد لسفرائها مؤتمرات دورية لتدارس علاقات دولتهم مع غيرها من الدول، وإن الأحزاب السياسية تعقد مؤتمرات دورية لقياداتها لتقويم أوضاع الحزب وتدارك النقص في أدائها، والمؤسسات الاقتصادية تعقد مؤتمرات لمدراء فروعها ومندوبيها للتخطيط والتقويم وطريقة التنفيذ وغيرهم توصلوا إلى ضرورة هذه المؤتمرات واللقاءات الدورية من خلال تجربتهم… أليس من أعظم النعم على أمة الإسلام أن يكون هذا المؤتمر السنوي ركناً من أركان دينهم؟
ألا ما أعظم فوائد الحج لو عرف المسلمون كيفية الإفادة منه ووجهوا جهودهم لتوجيه طاقات الأمة المادية والمعنوية لتقوية أواصر شعوبهم والقضاء على الضعف والتخلف في أقطارهم، واستغلال ثروات بلدانهم وتوجيهها لرفعة الأمة وتقدمها، لكي تستعيد دورها القيادي الحضاري بين الأمم.