نسبة ما يكتبه أحبار اليهود إلى الوحي السماوي

يقول الله عز وجل عن أحبار اليهود: ﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ * فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ﴾ [البقرة: 78 – 79].

• جاءت الآية الكريمة في سياق بيان انحرافات بني إسرائيل عن الحق الذي جاءهم به موسى عليه السلام، وكيف تآمروا فأخفوا بعضه وكتموه بعد أن علموا شرائعه ولكن لم يوافق أهواءهم فأخفوه عن الناس يقول جل من قائل: ﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ [البقرة: 75 – 77].

• وكانوا أحياناً يكتبون أشياء من التوراة ويدسون بين آيات التوراة كلاماً من عند أنفسهم ثم يلوون ألسنتهم بها ليظنها السامع أنها من التوراة يقول الله جل جلاله: ﴿ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 78].

• ولم يترك اليهود شيئاً من أحكام التوراة يخالف أهواءهم إلا حرفوه وبدّلوه ولم يتركوا إشارة أو دلالة صريحة أو ضمنية يمكن أن يستدل منها على الأنبياء وشرائعهم التي تأتي بعد شريعة موسى عليه السلام إلا طمسوه أو حرّفوه وأخفوه عن الأعين:

يقول جل جلاله: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة: 13].

ويقول أيضاً: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴾ [المائدة: 15].

لقد جاء هذا الخطاب وغيره لليهود المعاصرين لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – علماً أن التحريف والتبديل والإخفاء كان في أجداد هؤلاء، ربما كان الإخفاء والتبديل في عصر هؤلاء أقل من السابقين، إلا أن الخطاب شملهم مع السابقين لأنهم كانوا يسيرون على منهج أسلافهم ورضوا بما وجدوه بين أيديهم ولم يحكموا عقولهم فيما بين أيديهم من القضايا المناقضة للعقل، المستحيلة على الرب الذي وصفوه بأوصاف يترفع عنها الإنسان السوي، وشوّهوا في كتبهم الموضوعة سير الأنبياء والمرسلين الأطهار الأبرار، فاستحقوا لعنة الله وغضبه كما باء به أسلافهم المبدّلون لشرائع الله.

لقد دلّت الدراسات التي أجريت على الكتاب المقدس وشروحه وحواشيه، أنها كتبت بأقلام اليهود في عصور متأخرة عن موسى عليه السلام يقول في ذلك الدكتور علي عبد الواحد وافي: “ظهر للمُحْدَثين من الباحثين من ملاحظة اللغات والأساليب التي كتبت بها هذه الأسفار – أسفار العهد القديم – وما تشتمل عليه من موضوعات وأحكام وتشاريع، والبيئات الاجتماعية والسياسية التي تنعكس فيها، ظهر لهم من ملاحظة هذا كله أنها قد ألفت في عصور لاحقة لعصر موسى بأمد غير قصير – وعصر موسى يقع على الأرجح حوالي القرن الرابع عشر أو الثالث عشر قبل الميلاد – وأن معظم سفري التكوين والخروج قد ألف حوالي القرن التاسع قبل الميلاد، وأن سفر التثنية قد ألف في أواخر القرن السابع قبل الميلاد، وأن سفري العدد واللاويين قد ألفا في القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد أي بعد النفي البابلي الذي يعرف بإجلاء بني إسرائيل إلى بابل سنة 587 قبل الميلاد – وأنها جميعاً مكتوبة بأقلام اليهود، تتمثل فيها عقائد وشرائع مختلفة تعكس الأفكار والنظم المتعددة والتي كانت سائدة لديهم في مختلف أدوار تاريخهم الطويل… فهي إذن تختلف كل الاختلاف عن التوراة التي يذكر القرآن أنها كتاب سماوي مقدس أنزله الله على موسى”[1].

ويقول أيضاً:

“.. وعلى أساس هذه التحقيقات الحديثة نفسها يرجح الباحثون أن قسماً من الأسفار الأخرى للعهد القديم قد ألف في الفترة الواقعة بين النصف الأخير من القرن التاسع وأوائل القرن السادس قبل الميلاد… وأن قسماً آخر قد ألف في الفترة الواقعة بين أوائل القرن السادس وأواخر القرن الرابع قبل الميلاد”[2].

وإذا أخذنا بعين الاعتبار الأوضاع غير المستقرة لليهود وتعرضهم للتشريد والسبي والقتل، خلال هذه القرون المديدة، فكيف يمكن أن تحفظ من الضياع والتلف والزيادة والنقص، هذا إن لم تكن هناك رغبة من القائمين على شؤونهم الدينية في الزيادة والنقص والتبديل أما الأسفار الخفية فلها شأن آخر.

فقد قرر أحبار اليهود منذ القديم أن لا يطلعوا عليها عامة اليهود فضلاً عن غيرهم، ولم يضعوها بين أسفار العهد القديم، ولكن يعطونها القدسية مثل أسفار العهد القديم[3].

وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ ﴾ [المائدة: 15].


[1] الأسفار المقدسة، علي عبد الواحد وافي ص 17.

[2] المرجع السابق ص 18.

[3] المرجع السابق ص 23.