خواطر حول تفسير القرآن الكريم

كثيرًا ما يحتارُ طالبُ العلم في اختيار الكتاب المناسب في التفسير، الذي يرجع إليه عند الحاجة لمعرفة معنى آية كريمة في كتاب الله تعالى.

ويحتار المسؤول عن ذلك في تحديد الكتابِ المناسب أيضًا، كما احتار قبلَه السائلُ؛ لأن تحديدَ الكتاب يحتاج إلى معرفة المستوى الثقافيِّ للسائل، فطالبُ العلم المتخصِّص يحتاج إلى كتاب يردُّ على استفساراته التخصُّصية في دقائق المعاني والاستنباطات، فإشكالاتُ التخصص تَختلف عن إشكالات المبتدئ والعامِّيِّ.

 

والعاميُّ قد تَشغله جوانبُ في عمومات الآيات، أو البداية العامة الواردة بها، على حين أن بعض المثقَّفين من غير المختصين في علوم القرآن، قد تكون إشكالاتهم لغوية بلاغية، أو في الإشارات في علوم الطبيعة، أو النفس الإنسانية.

وكتابُ الله تضمَّن كلَّ الاهتمامات البشرية، فكلُّ متخصص في جانب من جوانب الحياة، يجد إشاراتٍ قرآنيةً تُشير إلى مبادئ اختصاصه؛ فلا مَندوحة من وجود هذه التساؤلات.

 

ومن الطبع البشري العجزُ والقصورُ، وعدم الإحاطة بعلوم القرآن كلِّها، ودَلالات الآيات الدقيقة، وإشاراتها إلى الجوانب التخصُّصية؛ لذا غلَب على أسلوب كل مُفسر الجانب التخصصي الذي يُجيده أو يتوسَّع فيه.

 

فتفاسيرُ الفقهاء يَغلب عليها الجانب الفقهيُّ، وتفاسير البلاغيين والنحويين يَغلب عليها النِّكات البلاغية، وتفاسير المتكلمين يغلب عليها أساليب علم المنطق والكلام، وتفاسير المحدِّثين يغلب عليها التفسير بالمأثور، وقد عدَّ بعضُ الكاتبين في تاريخ التفسير أن هذا خروجٌ عن منهج التفسير ومَساره، وقالوا: لا ينبغي أن يُغَلَّب الجانب التخصصيُّ على الأهداف العامة للآيات، وهي هداية البشرية وتقويم سلوكها، وتوجيهها للقيام بدور العبوديَّة لله تعالى.

 

وقبل الإجابة عن أصل احتياج الراغبين في التعرُّف على كتب التفسير، أتناول مناقشة المعترضين على بَثِّ المفسرين علومَهم التخصصية في أثناء تفاسيرهم.

 

أقول: إن ذكر هذه التخصُّصات في كتب التفسير أمرٌ بدهيٌّ؛ لسببين:

أ – طبيعة النفس الإنسانيَّة: حيث لا تستطيع الفَكاك عن العلم والثقافة التي تُشكل جزءًا من شخصيته، والإنسان ابن ثقافته، فمهما حاوَل أن يتخلَّى عن مُكوِّنات شخصيَّته، فإنها تعود إليه الفَينة بعد الفَينة، وسيضطر للتجاوب معها بشكلٍ عفويٍّ.

 

ب – والسبب الثاني حاجةُ المجتمع الذي يعيش فيه المفسِّر: فكثيرًا ما تغلب ثقافة معينة، وتسود المجتمع طبقةٌ من المثقفين بثقافة معينة، وتَفرض ثقافتها، بل تحاول إثارة إشكالات حول آيات القرآن الكريم في تخصُّصها كما حدَث في العصر العباسي، عندما سادت طبقة المثقفين بالثقافة اليونانية المترجمة، وكَثُرَتْ حلقات علم المنطق وعلم الكلام، فأثاروا الشُّبهات حول أساليب القرآن الكريم في الاستدلال والمحاجَّة، فكان لزامًا على علماء المسلمين من المختصين في علم التفسير، تناولُ هذه الشُّبهات وتفسيرها في مؤلفاتهم التفسيرية، أو كتبهم الأخرى؛ كما فعل ابن قتيبة الدينوري والباقلاني والرازي وغيرهم، وكما فعل سيد قطب في كتابه (في ظلال القرآن) في العصر الحاضر؛ حيث تسود الاتجاهات الفكرية، وتحاول فرض سيطرتها على العالم.

 

ومن مهمة المفسِّر أن يجد الحلول المناسبة لمشكلات المجتمع الذي يعيش فيه؛ في ضوء البدايات القرآنية؛ لذا كان من الطبيعي جدًّا أن تَنعكس هذه المشكلات في كتب التفسير، ويُعَد المفسر مُقَصِّرًا إن اقتصَر على الجوانب العامة في الآيات، ولم يتعرَّض لاحتياجات عصره وبيئته.

ولكن ينبغي ألا تُهمَلَ الجوانب العامة في الآيات، ولا تَطغى عليها الردودُ والمناقشاتُ الطارئة، بل يُحاول الموازنةَ بين الدلالات العامة للآيات التي تَشمل الحياة البشرية في خطوطها العامة، والمشكلات الإنسانية الحضارية.

 

وأعودُ إلى أصل الموضوع لأقول: إن كتبَ التفسير تنقسمُ إلى قسمين، أو بالأحرى المفسرون ينقسمون إلى قسمين:

• أصحاب مدارس تفسيرية.

• ناقلون أو جامعون مِمَّن سبَقهم.