نتائج العلمانية في الغرب

شارك في التأليف: الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي.

عندما تخلص الغرب من نفوذ الكنيسة، وكسرت الأطواق والأغلال التي كانت تفرضه على حرية البحث وإبداء الرأي والممارسات السياسية والاجتماعية تحقق للغرب جوانب إيجابية، ورافق ذلك جوانب سلبية.

 

الجوانب الإيجابية

تتمثل في:

(أ‌) التقدم العلمي الهائل: عندما تخلص الغرب من أساطير الكنيسة وخرافاتها حول البحث العلمي – متأثرًا بمناهج البحث العلمي التجريبي لدى المسلمين – انطلق انطلاقة كبيرة، فأبدع في هذا المجال، وحقق تقدماً لم تعرفه البشرية من قبل.

 

(ب‌) الرخاء الاقتصادي الذي تحقق نتيجة التقدم الصناعي، حيث وظفت المنجزات العلمية لتحقيق رفاهية الإنسان بعد تحقيق الضروريات في حياته من الغذاء والسكن والدواء، إلى توفير الكمالية من الخدمات والمرافق.

 

(ج‌) احترام حقوق الإنسان، حيث وضعت دساتير وقوانين تنص على حرية المعتقد والتعبير عن الرأي ووضع ضمانات لحماية تلك الحريات والممارسات، بحيث تكبح جماح السلطة من تجاوزها – وإن كانت تلك الحريات حسب المفهوم الغربي ليست المفاهيم الصحيحة بسبب منطلقاتها المادية غير الأخلاقية – إلا أنها حققت تقدماً كبيراً بالنسبة لما كان عليه الأمر في ظل تسلط الكنيسة وأمراء الإقطاع.

 

السلبيات، وأهمها:

أ- انتشار الإلحاد في حياة الغرب:

نتيجة ردة الفعل على ممارسات الكنيسة، وقع الغرب فريسة لدعاة الإلحاد، فأقاموا دولهم وأنظمتها على الابتعاد عن كل ما له صلة بالدين ومعطياته، وتبنوا النظريات والأفكار الأشد تطرفاً وغلواً ومادية التي تصادم فطرة الإنسان، وتعارض البحث عن الدين الحق الذي يكرم الإنسان، ويحترم العقل، ويضمن الحريات الحقيقية للإنسان ألا وهو الإسلام.

 

ب- السيطرة الغربية على مقدرات شعوب العالم:

وكان ذلك نتيجة للثورة الصناعية والقوة الاقتصادية لدى الغرب، فقد بدأت دوله تتسابق للاستيلاء على الممالك والأقاليم؛ لتنهب ثوراتها، واستغلت شعوبها فجعلتها أسواقاً استهلاكية لمنتجات مصانعها، ورافق ذلك فرض نموذجها الإلحادي على العالم متجاهلة ثقافة تلك الشعوب وعقائدها وقيمها، مما تسبب في نشوب الحروب، وإراقة الدماء لتتحرر من ربقة الاستعمار الغربي، وكانت النتيجة قيام حربين عالميتين، أزهقت نفوس الملايين ودمرت المدن وأهلكت الحرث والنسل، في أكثر دول العالم.

 

ج- الفشل في تحقيق الطمأنينة والسكينة للإنسان:

لقد رفع العلمانيون شعارات براقة كثيرة عن حقوق الإنسان، وتحقيق السعادة له، وأنهم سيصلون بالعلم إلى الإجابات الشافية لتساؤلاته عن الغاية من وجوده ودوره في الحياة ومآله ومصيره، ولكن الحضارة الغربية المبنية على الإلحاد عجزت عن تحقيق الطمأنينة في نفس الإنسان وغرس اليقين في عقله… وأصبح الإنسان في ظلها وحشاً كاسراً لا يعرف إلا إشباع ملذاته، وتدمير كل ما يعترض طريقه إلى ذلك، وإلى اليوم وبعد أن مر على الحضارة الغربية أكثر من ثلاثة قرون في ظل العلمانية، نرى الإنساني الغربي، يعيش مأزقاً نفسياً روحياً فكرياً أشد عمقاً وتأزماً من أي وقت مضى، على الرغم من التقدم المادي وتوفير سبل الاستمتاع، وتيسير طرق الوصول إلى إشباع الشهوات.

 

وما ظاهرة الانتحار وانتشار العيادات النفسية، وكثرة المشردين التائهين… كل ذلك وغيره دلالات واضحة على فشل العلمانية ومؤسساتها في تحقيق إنسانية الإنسانية وتوفير السعادة له. وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طـه: 124].