شارك في التأليف: الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي.
أ. أهميته:
إن المؤمن يتعرض في حياته المعيشية إلى الكدح والتعب، وفي حياته الدعوية إلى المعاندة والصلف، وفي علاقاته الاجتماعية إلى النشوز والحزن. ولا بد له من زاد روحي يعينه على متابعة المسيرة لتحمل أعباء الحياة في جميع ميادينها. وهذا الزاد الروحي يؤخذ من العبادة عامة ومن قيام الليل وتلاوة القرآن خاصة.
لذا نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر في مقتبل الدعوة بالتزود بهذا الزاد الروحي حيث أمره ربه بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا * إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا ﴾ [المزمل: 1-7].
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه قريباً من عام حتى تورمت أقدامهم، فنزل التخفيف بعد ذلك ناسخاً للمقدار المحدد، وللوجوب في حق المؤمنين، وبقي الوجوب في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم[1].
وجاء الثناء في أكثر من آية على الذين يقومون الليل ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 15-18].
ويقول عز من قائل: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [السجدة: 16].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث صحابته على قيام الليل بلطف، حيث ورد عنه أنه قال: “نعم الرجل عبدالله لو كان يصلي من الليل”[2].
وكان يطرق على علي وفاطمة رضي الله عنهما ويقولك “ألا تصليان”[3].
ب- أفضل أوقات قيام الليل:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل دون التزام وقت معين، ولكن جاءت توجيهات تبين أفضلية الثلث الأخير من الليل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني؟ فأستجيب له. من يسألني؟ فأعطيه. من يستغفرني؟ فأغفر له”[4].
وعن عمر بن عبسة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن”[5].
ج- آثار قيام الليل:
الانضمام إلى ركب الصالحين:
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم..”[6].
منهاة عن الإثم:
وفي تتمة الحديث السابق: “.. وإن قيام الليل قربة إلى الله ومنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد”[7].
حلاوة المناجاة:
فإن خلوة العبد بربه ومناجاته من ألذ ما يشعر به القائم بالليل، كان ابن المنكدر يقول: ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث: قيام الليل، ولقاء الإخوان، والصلاة في الجماعة.
[1] بقاء وجوب قيام الليل في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم، انظر السنن الكبرى للبيهقي (1563)، 1 /358.
[2] صحيح البخاري، الحديث رقم 1157.
[3] رواه البخاري في صحيحه، رقم (1127)، ويطرق: يأتيهما ليلاً، انظر المفردات للراغب، ص452.
[4] صحيح البخاري، الحديث رقم 1145.
[5] سنن الترمذي، الحديث رقم 3579، وقال حسن صحيح غريب.
[6] الجامع الصحيح للترمذي، الحديث رقم 3549.
[7] الجامع الصحيح للترمذي، الحديث رقم 3549.