جاء تعريف القرآن في دائرة المعارف البريطانية (القرآن هو كتاب المسلمين المقدس، ويعده المؤمنون كلمة الحق من ربهم، وأنه كتاب أوحي به إلى النبي عليه السلام وجمع في كتاب بعد مماته ويعتقدون أنه كتاب أزلي وأنه أوجد في اللوح المحفوظ ومن المحتمل أن كلمة قرآن مشتقة من كلمة قرأ وهي كلمة سريانية في أصلها وفي القراءة كانت تستعمل في الكنيسة السريانية.
إلى أن قالت الموسوعة.. وأنه لا مجال لتقليده، حيث أن هذا هو الجنون بعينه).
شبه المستشرقين حول الوحي:
أقوالهم في ظاهرة الوحي في نقاط محددة:
1- الوحي النفسي والإلهام السمعي.
2- بتأثير انفعالات عاطفية.
3- لأسباب طبيعية عادية كباعثة النوم (التنويم الذاتي).
4- تجربة ذهنية فكرية.
5- كحالة الكهنة والمنجمين.
6- حالة صرع وهستيريا.
1- الرد على الزعم الأول وهو (الوحي النفسي…):
إن الوحي لما كان هو الأساس الذي يترتب عليه جميع حقائق الإسلام بعقائده وتشريعاته وهو المدخل للتصديق بكل ما جاء به الرسول عليه السلام من أخبار غيبية وأوامر تشريعية من أجل ذلك اهتم أعداء الإسلام بالتلبيس والتشكيك في حقيقة الوحي ليشككوا المسلمين في دينهم ويحولوا بين غير المسلمين وبين الإسلام. وقد قامت الأدلة العقلية والنقلية على بطلان هذه المزاعم.
• ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى …. ﴾.
• ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ﴾.
• وصف النبي الكريم لكيفية إتيان الوحي إليه.
2- الرد على الزعم الثاني وهو (تأثير انفعالات…):
الرد على شبهتهم هو الوقوف على سيرته عليه السلام وعلى كيفية نزول الوحي وخاصة أن الوحي يأتيه بأشكال مختلفة وفي ظروف اعتيادية وتقطيعه في ظروف عصيبة هو بأشد الحاجة إليه. فهذا يدل على أن الوحي خارج عن ذاته وليس له تدخل فيه.
3- الرد على الزعم الثالث..
هذه فرية من جملة مفترياتهم حيث أن البعد شاسع بين الوحي وبين عارض السبات الطبيعي الذي يعتري المرء حيث أن ظاهرة الوحي كانت تعتريه قائماً أو قاعداً أو سائراً أو راكب ليلاً أو نهارًا وفي أثناء حديثه مع أصحابه أو معه أعدائه وكانت تعتريه فجـأة وتنقضي عنه أحياناً في لحظات يسيرة وكانت تصاحبها تلك الأصوات الغريبة التي تشبه صلصلة الجرس والتي لا تسمع عند النوم وغيره.
4- الرد على الزعم الرابع وهو (أنها تجربة ذهنية فكرية..):
هذا فكر مادي بحت الذي لا يعترف بتكامل بين الروح والمادة ولا يؤمن إلا بالمحسوس الذي يدخل تحت عدسات المجهر والتحليل المخبري.
فلا يستطيع الإنسان أن يكون نبيا ًلأن النبوة تحتاج إلى الوحي والوحي لا يمكن تحضيره ولا استحضاره وإنما تأتي فجأة وبإذن من الله.
5- الرد على الزعم الخامس (وهو كحالة الكهنة والمنجمين):
إن كون أسلوب القرآن مشابه لأسلوب الكهنة والمنجمين أمر لم يقبله العرب مع أنهم أشد العداء للإسلام مثال على ذلك (الوليد وعتبة وغيرهما) عندما مدحا القرآن.
لذا فالمعجزات عامة والقرآن خاصة ليست من قبيل السحر والشعوذة، حتى ولو أتوا بالعجائب والغرائب لأن أفعالهم لها قواعد وفنونها تدرس أما الوحي فهبة من الله واصطفاء لأهلها.
6- الرد على الزعم السادس (حالة الصرع والهستريا):
ليس لها سند من الواقع لأن الرسول الكريم مات وعاش وهو بكامل صحته ولم يظهر فيه أي من الصرع أو العصبية. فقد كان ذكياً فطناً صاحب رأي، قوياً في جسمه وذاكرته.. وقد نفى الله عنه صفة الجنون لأنها تنافي النبوة.
الرد على زعمهم أن القرآن الكريم جُمع بعد ممات النبي الكريم..
القرآن الكريم هو معجزة النبي الكريم التي يمتنع على أحد من خلقه تقليده أو الإتيان بمثله ﴿ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ ﴾ فالله تعالى أثبت أنهم لن يأتوا بمثله ولو اجتمع إنسهم وجنهم، لذا استعمل القرآن ضدهم كل أنواع التحدي من إغراء واستفزاز ليبذلوا ما شاء من محاولات ليأتوا ولو باليسير مثله ولكنهم عجزوا فبانت قدرتهم وبان عجزهم.
المبحث الثاني
(موثوقية النص القرآن وشبههم حولها)
الشبهة التي أثارها أعداء الإسلام هو موضوع النص القرآني من حيث كونه ثقة أم يمكن الشك في سلامته بزيادة أو نقصان والذي أثار هذا الموضوع (دائرة المعارف الإسلامية، وتيودور نولديكة) وقد استدل هؤلاء على هذا الاختلاف والاضطراب إلى عدة أمور:
1- الاعتماد في حفظ القرآن على صدور الصحابة.
2- الكتابة بوسائل بدائية يصعب المحافظة عليها.
3- نسيان شيء من القرآن.
4- وجود منسوخ التلاوة.
5- اختلاف مصاحف الصحابة في عدد السور والآيات ووجوه القراءات.
6- النقصان والزيادة في القرآن.
ومن الشبه التي قالوها عن النص القرآني:
1- قالوا: إن القرآن الكريم قد زيد فيه ما ليس منه بدليل ما ورد أن عبدالله ابن مسعود كان لا يكتب الفاتحة والمعوذتين في مصحفه.
والجواب والرد على ذلك:
هذه الرواية اختلف في ثبوتها فمنهم من أثبتها وأنه لم يكتبها في المصحف كان في بادئ الأمر لعدم سماعه من الرسول الكريم ولما بلغه قول الجماعة وتأكدت قرآنيتها عنده رجع لهذه السور الثلاث وقال بقول الجماعة وأقرأها لتلاميذه.
الشبهة الثانية:
زعموا أن القرآن نقص منه بعض السور مستدلين على ذلك بكتابة بعض الصحابة كأبي بن كعب بعض السور ولم تكتب في القرآن الحالي ويقصدون سورتي (الخلع) و(الحفد) وهو ما يطلق عليه دعاء اليوم (اللهم إنا نستعينك ونستهديك…) أو غيره مما تلقوه من أقوال الشيعة.
الرد على ذلك:
لقد قيض الله تعالى لهذه الأمة من ينفي عنه زيغ المبطلين وتأويل الجاهلين وخلو القرآن من الزيادة والنقصان والتحريف أمر لا يشك فيه مسلم سواء كان متديناً أو غير متدين فكلهم يعترفون أن القرآن هو الوثيقة الربانية حفظت من التغيير والتبديل ولا يأتيها الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
فدعاء القنوت يجده الناظر مباين لنظم سائر القرآن.
وهذه الترهات والأقاويل تلقفها المستشرقون من بعض فرقة الشيعة.
المبحث الثالث
(جمع القرآن الكريم وشبههم حوله)
حاول بعض المستشرقين مثل كازنوفا التشكيك في تاريخ جمع القرآن الكريم وأول من جمعه فبعضهم اعتبره الرسول وبعضهم اعتبره أبوبكر وعثمان وعلي.
والشبهات التي أثارها المستشرقون حول الجمع.
(الشبهة الأولى حول جمع الرسول القرآن بنفسه)
الشبهة الأولى: أن الرسول عليه السلام لم يجمع القرآن بنفسه ولم يأمر أحد بجمعه وإنما كان ذلك بجهد شخصي من بعض الصحابة وفي بعض المناسبات وأن الجمع كان في المدينة بعد هجرته عليه السلام تأثراً باليهود.
والرد على ذلك:
يحمل الجمع النبوي في عهده عليه الصلاة والسلام معنيان: الحفظ في الصدور، الحفظ في السطور.
أما الجمع الأول: فيدل عليه قوله تعالى: ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴾.
أما الجمع الثاني: فالمعروف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أمياً لم يكتب بيده الشريفة شيئاً ولكنه كان قد اتخذ كتبة لكافة أغراضه واحتياجاته للوحي والمراسلات والخطابات بلغت الأربعين.
الشبهة الثانية:
1- عدد الحفظة للقرآن الكريم.
2- نزاهة الكتبة والشبه حولهم.
أما عدد الحفظة فقد استدلوا على أنهم قلة (2، 7، 9).
والرد على ذلك:
كان النبي عليه السلام ينزل عليه القرآن فيقرؤه على صحابته على مهل كي يحفظوه ويفهموه.
وقد جعل الصحابة القرآن في المقام الأول في العناية والاهتمام فتنافسوا في حفظه وفهمه فكانوا يكثرون من قراءته وترداده.
أما الرد على الرواية الثانية وهي نزاهة الكتبة:
وهي أن الأرض لفظت كاتباً آخر غير أمين من كتبة الوحي لتغييره في القرآن.
الشبهة الثالثة: صحيفة أخت عمر بن الخطاب.
حيث زعموا أن صحيفة أخت عمر بن الخطاب التي كانت عند ختنه غير صحيحة وذلك ليثبتوا أن كتابة القرآن لم تبدأ إلا بالمدينة تأثراً باليهود.
والرد على ذلك: أن هذه القضية من جملة أخطاء المستشرقين ليحاولوا إثبات أن الكتابة لم تبدأ في مكة وأن بدايتها كانت بالمدينة لأن الرسول رغب في وضع كتاب له تأثر بيهود المدينة عندما كان لهم كتاب.
وأما قضية تأثر الرسول باليهود فهذا كذب وافتراء لأن الإسلام يحرص على أن يكون مثالاً في كل أموره غير مقلد لأي دين.
(الشبهة الثانية حول جمع أبوبكر للقرآن)
حيث ذكروا أن الجمع بدأ في عهد أبوبكر. وأن الدافع لجمعه كان لغرض خاص به وهو أن لا يكون أقل حظاً من الصحابة حتى يكون له مصحف خاص به.
والجواب:
لما تولى الخلافة أبوبكر كان أول عمل قام به محاربة المرتدين ولما استحل القتل في القراء وخشي ضياع القراء أشار عمر على أبوبكر أن يجمع القرآن في مكان واحد ولما رأيا المصلحة أوكلا جمعه إلى زيد.
ومن مميزات الجمع في عهد أبوبكر:
1- اقتصر على ما ثبت قرآنيته تواتراً ولم تنسخ تلاوته.
2- جمع بين دفتي مصحف واحد.
3- أنه جمع رتبت فيه الآيات والسور على ما كانت عليه التلاوة في عهده عليه السلام.
4- أنه مكتوب بشكل يحتمل قراءته بالأحرف السبعة.
الشبهة الرابعة: نزاهة أفراد اللجنة المكلفة بالجمع.
حيث شكك المستشرقون في اللجان التي أنيط بها مهمة جمع القرآن الكريم وأن تكليفها كان لاعتبارات خاصة لا لكفاءة اللجنة.
الشبهة الخامسة: (موقف بعض الصحابة من الجمع العثماني لاستثنائهم من العمل)
حيث زعموا أنه قد حصل انفجار واعتراض من بعض الصحابة الذين استثنوا من العمل كعلي بن أبي طالب وعبدالله بن مسعود وآخرين ليؤكد ما زعمه على أن العمل كان لاعتبارات خاصة وينقصه التجرد والأهلية.
والجواب على ذلك:
هذا الانفجار مرفوض لتحميله النصوص والمواقف أكثر مما تحتمل.
الشبهة السادسة: منهج اللجنة في العمل:
حيث زعموا أن منهج اللجنة لم يكن دقيقاً ولا محكماً بل كان عشوائياً مما سبب دخول روايات غير إرادية في النص القرآني فيما بعد.
والجواب:
أن هذه افتراءات لم يقدموا عليها أي دليل علمي تؤيد مزاعمهم.
الموضوع: (شكل القرآن الكريم ومضمونه والشبه حوله)
أولاً: تقسيم القرآن إلى ثلاثين جزءاً:
زعم المستشرقون أن القرآن الكريم من أجل سهولة تلاوته قسم ثلاثين جزءاً لتتلاءم مع عدد أيام شهر رمضان حسب تعبير الموسوعة البريطانية.
وقال (بلاشير) أن تقسيمه كان لمجرد الباعث العلمي وتسهيلاً لتلاوته في الاحتفالات الدينية.
والجواب على ذلك: إن تقسيم القرآن إلى ثلاثين جزءاً كان إجراء متأخر عند نزول القرآن.
أما فرضية رمضان ونافلة التراويح كان ذلك في عهد الرسول الكريم ولا ريب أن المسلمين كانوا يحفظون القرآن ولا يجدون في ذلك صعوبة ولا عسر قبل أن يجزأ القرآن إلى أجزاء وكانوا يصلون التراويح قبل التجزئة.
أما بالنسبة لتجزئة القرآن إلى أجزاء وأحزاب وأرباع وسور وآيات ففي ذلك فوائد كثيرة منها:
1- أن التجزئة للقرآن يدل على مقدار الاهتمام والعناية بالقرآن وهي خاصية امتازت بها هذه الأمة.
2- يتعرف المسلم على بداية كل جزء ونهايته وذلك لتسهيل حفظه.
الموضوع: (ترتيب سور القرآن الكريم)
حيث زعم المستشرقون أن القرآن الكريم لم يكن مرتباً وأنه كان مختلطاً في عهد النبي الكريم وقد رتبه أبوبكر لذا استحلوا لأنفسهم أن يجعلوا له ترتيباً خاصاً يختلف عن ترتيب المصحف الحالي في كثير من السور معتمدين في ذلك على طريقة الأسلوب ومحتويات السورة. وكان من هؤلاء المستشرقون (غريم)، (ويل)، (بل)، (بلاشير).
والجواب على ذلك:
لقد شغلت هذه القضية علماء المسلمين ابتداءً من عصر الصحابة ولا عجب أن يخصوها بجهد عظيم وبحث جاد لأنها تتصل بالقرآن الكريم وكان بحثهم مبنياً على أسس من المنطق العقلي والدليل النقلي.
أما المستشرقون فكان جهدهم معتمد على جهود العلماء السابقين ولكن تخليطهم ناتج عن عدم قدرتهم على التمييز بين الروايات فأخذوا بكثير من الروايات الضعيفة والموضوعة كما ترجع كثير من أخطائهم لجهلهم باللغة العربية وأن عملهم نابع من أهداف نفسية ودينية خاصة بهم.
الموضوع: الأسلوب القرآني وشبه المستشرقين حوله
1- الأسلوب المكي والمدني:
الشبهة الأولى:
زعم المستشرقون أن الغاية من تقسيم القرآن إلى أسلوبين مكي ومدني هو أن القرآن خاضعاً للبيئات المختلفة، فهو في مكة ذا أسلوب شعري متفق مع القوم وثقافتهم لذلك كانت آياته قصيرة ذات أسلوب قوي.
أما المدني فقد كانت سوره متأثرة بأهل المدينة وثقافتهم فقد كانت طويلة ذات أسلوب معقد.
الرد على ذلك:
أن القرآن المكي جاء ليعالج موضوع العقيدة بشكل رئيسي وما يتصل بها من أخلاق فاضلة لذا سخر لذلك كل شيء حتى القصص القرآني.
أما السور المدنية فكانت تركيزها على إيجاد نظام شامل لكل متطلبات الحياة واختلاف الموضوع ينتج عنه تنوع في الأسلوب من حيثية معينة ولكنه يحافظ على الجودة.
2- الشبهة الثانية:
وصف أصحاب الموسوعة البريطانية أسلوب القرآن بأنه دراماتيكي أما بعض المستشرقين فقد وصفوا القسم المكي منه بالهروب من المناقشة وبالخلو من المنطق والبراهين والهدوء والإقناع.
الجواب:
يقصد أصحاب الموسوعة بأسلوب درامتيكي أي أن القرآن كان يعرض وجهة نظر الخصوم واعتراضاتهم، ثم يرد عليهم بحجج قوية مناوئة لهم وهذا يناقض الرأي الثاني الذي وصف القرآن المكي بأنه يتسم بالهروب أمام الخصم وعدم إقامة الحجة عليهم.
وهذا الأمر ينقضه أي مسلم يقرأ القرآن؛ لأن القرآن الكريم كان يعرض لقضايا معينة يريد تثبيتها كالتوحيد والرسالة والأخلاق وقد سخر لها أساليب عدة منها القصة والمحاورة والتقرير والتقريع وقد عرضها مع الأدلة التي تؤكدها.
الشبهة الثالثة:
زعموا أن الوسط المكي الساذج أثر على أسلوب القرآن المكي فأكثر من القسم بالمخلوقات الجامدة بما يناسب البيئات الساذجة المتأخرة.
الرد على ذلك:
يحاول المستشرقون دائماً وصف أهل مكة بالسذاجة والتأخر ليصوروا المجتمع المدني مجتمع متقدم وذلك لمخالطته باليهود الذين يصفون أنفسهم بالتقدم والذكاء والدهاء وأهل الاصطفاء من الله. ووصفهم لأهل مكة بالسذاجة خلافاً للواقع فقد كانوا أذكى عقولاً وأرهف حساً والقرآن قد بين كثيراً من مناقشتهم العقلية وقد خرج منهم القائد للجيوش والحاكم للشعوب والعالم بكل فن.
الشبهة الرابعة:
زعموا أن السور المكية خالية من التشريعات والقوانين التفصيلية لضعف الثقافة عند المكيين بعكس السور المدنية فقد ذكرت هذه القضايا تأثراً بالثقافة اليهودية.
الجواب على ذلك:
قبل الإسلام تمكنت في نفوس العرب شعائر الجاهلية ومازجت أرجاسها عقولهم وكان من العسير اجتثاثها من نفوسهم دفعة واحدة اقتضت الحكمة الإلهية التدرج بهم شيئاً فشيئاً على مراحل عدة وصور متعددة، حتى إذا جاء دور التشريعات العامة كالحدود والقصاص والعلاقات الدولية كان لا بد من سلطة تنفيذية تنفذ الشريعة الإسلامية جاء دور المجتمع المدني والقرآن المدني لتنفيذ ذلك. فجاءت التشريعات المدنية مسهبة ومستقلة. ولكن بحكم وجود اليهود في المدينة حيث كان لهم تشريعاتهم الخاصة بهم وأسلوبهم الخاص بالتعامل مع الناس وقفت الشريعة لتظهر شخصيتها في هذا المقام وتبين موقفها من أخلاق اليهود وأسلوبهم المعوج في التعامل.
لذا ظن المستشرقون أن التشريعات في المدينة كانت بتأثير من اليهود وهذا مخالف للصواب.
الشبهة الخامسة:
زعم (سال) أن مما يبطل دعوى الإعجاز في القرآن (التكرار) وذلك لأن أهل العلم قالوا: إن تكرار اللفظ بلا ضرورة يخل بالفصاحة والقرآن مشحون بذلك.
الرد على ذلك:
حقيقة التكرار أن يأتي المتكلم بلفظ ثم يعيده بعينه سواء كان اللفظ متفق المعنى أو مختلفاً أو يأتي بمعنى ثم يعيده وهذا من شرطه اتفاق المعنى الأول والثاني.
فالتكرار الذي يأتي ينبغي أن يكون لضرورة وهذا هو الموجود في القرآن الكريم فليس في القرآن تكرار بلا ضرورة ولا فائدة.