الدرس الأول: دوافع إفشاء السر:
الزوجة موطن سر الزوج دائمًا، وألصق الناس به وأعرفهم بخصائصه ودخيلة نفسه وهي أولى الناس بمعرفة ذلك.
ولا بد لكل إنسان من مكمن سر، يبث همومه واستشاراته الخاصة، بل هناك من الأسرار ما لا يريد كشفها حالاً، ولا يريد كتمانها طيلة الوقت، فلا بد من شخص يودعه هذا السر.
فلئن كان إفشاء السر من الصفات الذميمة من أي شخص كان صدوره، فكونه من أحد الزوجين أعظم بكثير.
وهذا يكشف لنا جانبًا من جوانب الإجراء الصارم الذي اتخذه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تجاه زوجاته جميعًا، ليكون في ذلك تربية وعبرة ودرس قاس يبقى ماثلاً في الأذهان حيث آلى على نفسه أن لا يقربهن شهرًا كاملاً. بل كنّ على خطر الطلاق والاستبدال بهن غيرهن.
وهذا يدفعنا للبحث عن الدافع إلى إفشاء السر عامة، وإلى الدافع إلى إفشائه في هذه الحالة الخاصة.
الدوافع النفسية وراء إفشاء السر:
تختلف النفوس والطبائع من شخص لآخر، وبالتالي تختلف دوافعها لإفشاء السر ولكن يمكن إعادة الدوافع إلى أسباب رئيسية من أهمها:
أ- إظهار النفس بأنها تمتاز عن الآخرين في نظر الذي وضع عنده السر فلو لم يكن جديرًا بالثقة والأمانة لما أودعه هذا السر وخصه بهذه الخاصية، ففي هذا الإفشاء نوع من المباهاة والرياء وإبراز الميزة والفضل على الآخرين، وفي حقيقته تغطية لعقدة نقص يستشعرها الذي أفشى السر.
ب- الرغبة في إدخال الغيرة والحسد على قلوب الآخرين، والشماتة بهم حيث إنهم حرموا من هذه الميزة وخص هو بها، وهذا الدافع وإن كان قريبًا من الأول، إلا أنهما يختلفان من حيث الأثر المترتب على إفشاء السر، ففي الأول المباهاة، وفي الثاني الشماتة بالآخرين.
جـ- الرغبة في الإضرار بصاحب السر (المسرِّ) وزعزعة ثقة الناس به عندما يدركون حقيقته وما يضمره للآخرين في نفسه.
د- التقرب للآخرين بأداء خدمة إليهم للحصول على منفعة مادية أو أدبية منهم ومن هذا القبيل ما عمله حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه، عندما راسل قريشًا يخبرهم نية رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في فتح مكة، حيث صرح بأنه أراد أن يكسب عندهم يدًا لحماية أمواله وأهله. ولم يفعل ذلك كفرًا بعد إيمان وصدّقه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في ذلك، ولم يسمح لأحد أن يؤذيه بكلمة أو غيرها.
ولو رجعنا إلى الحادثة التي نحن بصددها لرأينا أن الدافع الأول أقرب ما يكون وراء إفشاء حفصة رضي الله عنها لما أسر به إليها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهي إبراز المكانة والميزة تجاه ضرائرها عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولا يبتعد السبب الرابع وهو التقرب إلى عائشة بأداء هذه الخدمة إليها ولعل استغرابها وتعجبها يدلان على ذلك حيث سألت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ﴿ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا ﴾ [التحريم: 3] لأنها كانت تثق بعائشة، وكانت على يقين بأن عائشة لن تفشي لها سرًا، لأنهما كانت متصافيتين، فعلمت أنه لا قبل لرسول الله صلى الله عليه سلم بعلم ذلك إلا من قبل عائشة، أو من طريق الوحي فرامت التحقق من أحد الاحتمالين.