من الأسلوب القرآني المطرد تقريبًا سوق نماذج إنسانية تتمثل بها المبادئ والأفكار. والأفكار المجردة تأتي باهتة في الغالب لا تثير الأحاسيس ولا تطلق المشاعر الكامنة. وقد يظن بعضهم أنها مجرد مبادئ نظرية قد لا تجد لها أثرًا في واقع الحياة.
ولكن عندما يتمعنها في سيرة الأقدمين وقد تحققت في سيرة أشخاص، تكون العبرة أكبر والعظة أشد.
من يتصور هذا النموذج المنحرف أن تخالف الزوجة مبادئ دعوة زوجها وهي تعايشه ليله ونهاره والأصل أن يكونا روحًا واحدة في جسدين وأن تكون المرأة – وهي مكمن سر الزوج – التابع الأمين ومستودع الأمانات لزوجها، وأن يلقى الزوج عندها السلوة والعزاء في كل ما يلاقيه في دعوة الناس إلى الخير والفلاح. ولكن نجد أن الصنف البشري يبرز في سلوك امرأة نوح وامرأة لوط ليتقرر من خلال سلوك الامرأتين الدستور الإلهي، أن القرب من الصالحين لا ينفع من لم يهد الله قلبه للإيمان، فالعبرة بالنسب العقدي وبالولاء القلبي، وليس بالقرب المكاني أو النسبي.
وبالمقابل تتمثل مبادئ الرفعة والعزة والإيثار والتسامي والسعي إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى وترك زينة الحياة الدنيا ومعاني العفة والطهر والنبل والكرامة في امرأتين آثرتا الدار الباقية على الدار الفانية والنعيم المقيم، في جنات الخلد على زينة الحياة الدنيا وشهواتها.
فكانت امرأة فرعون نموذج المرأة المترفة ذات الجاه والمكانة والمنصب فتتسامى بعقيدتها وإيمانها على كل ذلك وتتحمل عذاب فرعون وزبانيته حتى تلحق بالرفيق الأعلى شهيدة في سبيل الله.
وكانت مريم ابنة عمران مثال الفتاة التي تنشأ في طاعة الله منذ نعومة أظفارها وتحصن عرضها عن الدنس ونفسها عن الهوى. إنها نموذج الطهر والعفاف والحصانة.
فبأمثال هذه النساء ينبغي أن تكون القدوة، وينبغي أن تكون سيرهن المضيئة منهج سلوك المرأة في المجتمعات الربانية.