خصائص العبادة في الإسلام

شارك في التأليف: الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي.

من خلال ما تقدم من أهمية العبادة، وأنواعها وثمراتها نستخلص جملة من خصائص العبادات في الإسلام من أهمها:

1- الإخلاص فيها لله سبحانه وتعالى:

فلا يجوز توجيه شيء من العبادة لغير الله سبحانه وتعالى، فقد أمرنا الله تعالى أن نوحده ولا نشرك به أحداً في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، يقول عز من قائل: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة: 5]، وأداء العبادة خالصة لله تعالى ينسجم من الغاية التي خلق الإنسان من أجلها: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].

2- العبادات توقيفية:

فلا يجوز أن تختلق أنواع من العبادات لم ترد في القرآن الكريم ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والابتداع في العبادات مردود فقد ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد”[1]. وقال المفسرون في تفسير قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾ [الكهف: 110]، ﴿ عَمَلاً صَالِحاً ﴾ وهو ما كان موافقاً لشرع الله تعالى ﴿ وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾ أي من خلقه إشراكاً جلياً، كما فعله الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه، ولا إشراكاً خفياً، كما يفعله أهل الرياء، ومن يطلب به أجراً من المدح وتحصيل المال والجاه)[2]. إن العمل لا يكون صالحاً إلا إذا وافق شرع الله، ودخل تحت القاعدة العامة فيما يحبه الله ويرضاه.

3- انعدام الوساطة بين العبد وربه:

فالله تعالى خاطب عباده مباشرة، وطلب منهم التوجه إليه في دعائهم وعباداتهم مباشرة أيضاً: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].

وقد ندد القرآن الكريم بالمشركين الذين عبدوا وسائط ليقربوهم من الله زلفى فقال تعالى: ﴿ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴾ [الزمر: 3]، ولا يقال: إن الأنبياء هم سفراء الله إلى خلقه أفلا يكونون وسطاء؟ لأن مهمة الأنبياء هي التبليغ والبيان، وهم يحتسبون أجرهم على الله، ولا يطلبون من أتباعهم المؤمنين بهم على ذلك أجراً ﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 109]، فلا يجوز توجيه شيء من العبادة إليهم.

4- العبادات في الإسلام مبنية على اليسر:

كل شرائع الإسلام راعت طبيعة البشر التي تعتورها حالات من القوة والضعف، وحالات من النشاط والفتور، والعبادات خاصة بنيت على اليسر والسهولة، يقول الفقهاء: (حقوق الله مبنية على المسامحة، وحقوق العباد مبنية على المشاححة).

والعبادات كلها حقوق الله سبحانه وتعالى فهي مبنية على المسامحة، يقول عز من قائل: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 26-28].

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه”[3].

فالحمد لله على نعمة الإيمان، والحمد لله على نعمة الإسلام، والحمد لله الذي أنعم علينا بالشريعة السمحة ولم يجعل لنا فيها حرجاً.

وصلى الله وسلم على خيرته من خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


[1] متفق عليه: البخاري (2550) 2 /959، ومسلم (1718)، باب نقض الأحكام الباطلة، 3 /1343.

[2] انظر محاسن التأويل للقاسمي، 11 /4123.

[3] مجمع الزوائد 1 /62، وقال رواه أحمد ورجاله موثوقون، والسنن الكبرى للبيهقي (4521) 3 /19.