شارك في التأليف الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي
حقيقة التوكل:
صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضار في أمور الدنيا والآخرة، واليقين بأنه لا يعطي ولا يمنع، ولا يضر ولا ينفع إلا الله.
يقول عز من قائل: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]، والتوكل ثمرة من ثمرات الإيمان بالله سبحانه وتعالى، والعلم بأسمائه وصفاته من القدرة والمشيئة والكفاية والعلم.. (فكلما كان بالله وصفاته أعرف، كان توكله أصح وأقوى)[1]، وثمرة التوكل على الله هدوء البال وطمأنينة القلب وسكون الجوارح والرضا بقضاء الله وقدره، وترك الحرص الشديد على طلب الرزق وترك الشكوى من عدم التوفيق.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في دعائه بالتوكل فيقول: «اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت» [2]، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه حقيقة التوكل فيقول: «من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله»[3].
ولا يتنافى تحقيق التوكل مع الأخذ بالأسباب، فإن الله سبحانه وتعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتوكل عليه بالقلب إيمان به، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ﴾ [النساء: 71]، وقال أيضاً: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾ [الأنفال: 60]، وقال: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّه ﴾ [الجمعة: 10]، وهذا ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته قولاً وفعلاً، فقد استأجر في هجرته دليلاً مشركاً على دين قومه يدله الطريق، وظاهر بين درعين يوم أحد، ولم يحضر الصف قط عرياناً، وكان يدخر لأهله قوت سنة، وهو سيد المتوكلين، وقد تداوى من المرض وهو يعمل الأفضل دائماً، علماً أنه قال: «يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون»[4].
إن حقيقة التوكل أن يعتمد المرء على الله جل جلاله في كل أموره، مع الأخذ بالأسباب المشروعة، والسعي وفق سنن الله والأسباب التي وضعها في كونه ومخلوقاته.
وثمرة التوكل هي الرضا بالقضاء والقدر، وكسب الإنسان القوة والجرأة والشجاعة ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [إبراهيم: 12]، وعدم الندم على ما لم يحصله (… احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان)[5].
[1] مدارج السالكين، ابن القيم، 2 /123.
[2] رواه الشيخان، البخاري، رقم 1120، ومسلم في صحيحه الحديث، رقم 2086.
[3] رواه الحاكم في المستدرك (7707)، 4 /301، وزوائد الهيثمي، (1070) ومسند عبد بن حميد (677) عن ابن عباس مرفوعاً، والزهد الكبير للبيهقي (986).
[4] رواه مسلم في صحيحه الحديث، رقم 218.
[5] رواه مسلم في صحيحه، الحديث رقم 2052، 2664.