شارك في التأليف: الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي.
1- طمأنينة القلب:
حينما يسلم المؤمن بقدر الله، ويرضى بقضائه، فإن ذلك يؤدي إلى طمأنينة في قلبه، وهدوء في نفسه، ويسلم من الأمراض العصبية والعقد النفسية، ويتحقق حينئذ ما قال الله عز وجل بعد أن بين أن كل ما يصيب الإنسان إنما هو مسجل في كتاب: ﴿ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ﴾ [الحديد: 23]، فلا يجزع الإنسان عند المصائب، ولا يغتر بما يحقق من مكاسب، وإنما يصبر إن أصابته ضراء، فكان خيراً له، ويشكر إن أصابته سراء، فكان خيراً له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن كما ورد في الحديث الشريف[1].
2- عدم اليأس والقنوط:
ولا يكون التسليم بالقدر إلا بعد أن يبذل الإنسان وسعه في سلوك الطرق المؤدية إلى الخير، وإذا لم يصل الإنسان إلى ما يهدف إليه فعليه أن يقول: “قدر الله وما شاء فعل”، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن “لو” تفتح عمل الشيطان”[2].
3- حصول اليقين في القلب:
ولن يجد المسلم طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، كما قال الصحابي عبادة بن الصامت رضي الله عنه لابنه، وبعد أن يوقن بما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس -رضي الله عنهما-: “… واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف”[3].
4- الأخذ بالأسباب:
وليس معنى ذلك أن الإيمان بالقدر دعوة إلى القعود والتكاسل، وحث على الجبن والخور، انطلاقاً من أنه لا فائدة في إتعاب النفس بالأعمال ما دام كل شيء مقدراً من قبل، وإنما الصحيح أن الله عز وجل كما علم أسبابها، ونتائجها، وسائر أحوالها وربط الأسباب بمسبباتها، ومجموع ذلك هو القدر، فإذا علم الله أمراً يسر له أسبابه الموصلة إليه في علمه، حتى يقع على الوجه الذي علمه، فالتوكل على الله لا ينافي الأخذ بالأسباب، فحينما سئل النبي صلى الله عليه وسلم فيم العمل؟ قال صلى الله عليه وسلم: “إن أهل الجنة ميسرون لعمل أهل الجنة، وإن أهل النار ميسرون لعمل أهل النار”[4]، وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ناطقة كلها بإتيان البيوت من أبوابها، وأخذ الأعمال بأسبابها: فقد لبس الرسول صلى الله عليه وسلم الدروع في الحروب، وحفر الخندق، واستعمل العيون والحراس، واستظهر بالحلفاء، واستعان بالأصحاب، وتداوى وأمر بالتداوي، وسعى وأمر بالسعي، وتعلم منه الفاروق عمر رضي الله عنه حينما قيل له في مسألة الطاعون: “أفراراً من قدر الله؟ قال: نفر من قدر الله إلى قدر الله”[5]، فلو كان عمر يفهم القدر كما حرفه الجهلاء لدخل قرية الطاعون وقال: لن يصيبنا إلى ما كتب الله لنا.
5- تفجير الطاقات الكامنة في الإنسان:
حينما التزم المسلمون الأوائل بعقيدة القدر، وفهموها حق فهمها، حققوا خلافة الله في الأرض، وانطلقوا بالدين في كل الأرجاء، ففتحوا نصف الدنيا في نصف قرن أو كما قال أحد المستشرقين: فتحوا في ثمانين سنة ما فتح الرومان في ثمانمائة عام، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا، وما استكانوا، فضربوا المثل العليا في الشجاعة والإقدام وكانت فتوحاتهم خيراً وبركة، حيث حققوا العدل، ونشروا السلام، واثبتوا بالوقائع العملية أن الإيمان بالقدر يؤدي إلى انطلاق قوى الإنسان وطاقاته، للتعرف على سنن الله الكونية، واستخراج ما في الأرض من كنوز، والانتفاع بما في الكون من خيرات.
[1] رواه مسلم (2999) باب المؤمن أمره كله خير، 4/2295.
[2] رواه مسلم في صحيحه رقم (2664) باب الأمر بالقوة وترك العجز، 4/2052.
[3] رواه أحمد في المسند، رقم (2669) والترمذي في جامعة رقم (2516) وقال: حسن صحيح، 4/667.
[4] السنة لعبدالله بن الإمام أحمد رقم (873)، 2/402، والإيمان لابن منده رقم (9)، 1/139.
[5] رواه الشيخان، البخاري (5397) باب ما يذكر في الطاعون 5/2163، ومسلم رقم (2219) 4/1740.