شارك في التأليف: الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي.
تعريف العلمانية:
أصل كلمة (العلمانية) ترجمة غير دقيقة لكلمة (Secularism) اللاتينية وهي تعني اللادينية، وقد ترجمها المعربون إلى العربية بنسبتها للعلم تمويهاً وتجنباً لإثارة ردة فعل المسلمين تجاه هذه الكلمة.
لذا نجد أن دائرة المعارف البريطانية تعرف (Secularism) بأنها: “حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها”.
إذن لا صلة للاسم العربي (العلمانية) بالعلم، ومن عرفها بأنها فصل الدين عن الحياة لم يكن دقيقاً أيضاً في بيان مفهومها.
وتعريفها الصحيح: (إقامة الحياة على غير الدين)[1].
أسباب نشأة العلمانية في الغرب:
كانت هناك أسباب وراء نشوء العلمانية في أوروبا، ويرجع ذلك إلى هيمنة الكنيسة على الحياة العامة في أوروبا، واستبدادها في السلطة والحكم، ومناصرة الملوك والأمراء الذين يدورون في فلكها وتبرير مظالمهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية على الرعية، وفرض العشور والضرائب في أموال الناس، ومحاربتها للعلم وقتلها العلماء، مع فساد خلقي وإداري في طبقة رجال الدين.
ومارست الكنيسة أقصى درجات القمع الفكري والبدني على معارضيها، وجنت على الدين حيث صورته للناس دين الخرافة والدجل والكذب، بسبب إصرارها على أن تنسب إليه ما هو منه براء، وساعدها على ذلك دقة تنظيم المؤسسة الدينية من القاعدة العريضة الممتدة في كل الأقاليم إلى قمة الهرم الذي يتربع عليه البابا في روما.
وحين انكشف للناس الحقائق، وقدمت البراهين القاطعة على صحة أقوال أهل العلم، انحازوا للحقيقة ونبذوا الكنيسة ودينها[2].
وظهرت مؤلفات لمفكرين يعادون الكنيسة، ويدعون إلى إحلال مبادئ أخرى مكان المبادئ الكنسية مثل: كتاب السياسة والحكم لمكيافيلي الذي يقرر فيه مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة)، وكتاب العقد الاجتماعي لـ(جان جاك روسو) الذي يدعو فيه إلى أن السلطة عقد بين الشعب والحكام، كما ظهرت كتابات تدعو إلى التحرر من سلطان الكنيسة من أمثال كتابات (مونتسكيو، وفولتير، وليم جودين) وغيرهم، كما ظهرت نظرية (التطور) لتشارز دارون التي عرفت بالداروينية، فاستغلها أعداء الدين استغلالاً كبيراً.
هذه الحركة الفكرية أوجدت تياراً اجتماعياً سياسياً يطالب بالحريات والمساواة ويرفع شعار حقوق الإنسان، ويدعمها العلم وحقائقه وتطور الحياة وسننها.. فالتفت الشعوب والجماهير حول القوى الجديدة ضد القوى القديمة المتمثلة في الإقطاع وطبقات النبلاء المدعومة من الكنيسة.
دور الماسونية واليهود في إثارة الجماهير ضد نفوذ الكنيسة:
فقد طرحت الماسونية شعارها (الحرية والمساواة والإخاء) لتتبناه الثورة الفرنسية، ضد نفوذ الكنيسة ثم تحول الشعار إلى معول هدم لنقض الدين كله.
واتصلوا بالمسلمين عن طريق (الأندلس) وصقلية، وعن طريق الحروب الصليبية واطلعوا على ما يتمتع به علماء المسلمين في العلوم التطبيقية (الفيزياء والكيمياء والرياضيات وعلوم الطب والفلك والعمران…) من الحرية، بل الدعم من مختلف مؤسسات الدولة وعدم وجود طبقة رجال دين، مما كان له أشد الأثر على توجه العلماء للتخلص من جمود الكنيسة وتضييق الخناق على البحث العلمي الموضوعي في المستقبل.