الموقف من العلمانية

شارك في التأليف: الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي.

أولاً: إن العلمانية تريد الهيمنة على مجالات الحياة كلها:

الحكم والتشريع، الاقتصاد والسياسة، الأخلاق والاجتماع، الثقافة والعلم، الأدب والفن، السلوك والعلاقات، ولا يكون ذلك إلا بإقصاء الإسلام عن تلك المجالات كلها، ولا يغرن أحداً أن العلمانيين لا يمنعون من أداء الفرد المسلم شعائره التعبدية في دور العبادة أو ممارسة أعماله وفق أخلاقه الإسلامية. ذلك لأنه منسجم مع مبدأ العلمانية فصل الدين عن الحياة. أما الحياة العامة في القوانين والأنظمة والتعليم العام وبناء اقتصاد الأمة.. كل ذلك ينبغي إبعاد أحكام الشريعة الإسلامية عنه.

ومن المعلوم أن الإسلام كل لا يتجزأ فمن أنكر حكماً من أحكام الشريعة المعلومة من الدين بالضرورة فقد ارتد عن الإسلام. والإسلام لا يقبل التجزئة، فإما إسلام أو كفر[1]. يقول عز من قائل: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ ﴾ [آل عمران: 19]، ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85]، ويقول جل جلاله: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 49 – 50]، إن أي مثقف مسلم، وأي طالب علم شرعي ناهيك عن علماء المسلمين يدرك أن العلمانية والإسلام على طرفي نقيض، وأن الذي لا يعارض بينهما إما جاهل لا يعلم حقيقة الإسلام، أو مخادع يريد خداع المسلمين، وتلبيس الأمر عليهم[2].

ثانياً: العمل على استئناف الحياة الإسلامية:

لا يكفي إصدار أحكام على العلمانية والعلمانيين، ثم الوقوف سلباً تجاه ما يقومون به من محو الأمة وطمس معالم شخصيتها الإسلامية، والعمل الإيجابي الذي ينبغي اللجوء إليه هو البناء:

(أ‌) بناء الفرد المسلم كما بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابتداءً بالعقيدة الصحيحة، ثم الواجبات الفردية والالتزام بها، ثم العمل وفق المنهج الإسلامي لإعادة الحياة العامة وإخضاعها لأحكام الشرع الشريف. وهذا يقتضي تضافر الجهود في جميع المستويات، وأول مجال ينبغي الالتفات إليه الأسرة والمدرسة والمؤسسات التعليمية على مختلف مستوياتها.

(ب‌) إيجاد البدائل الإسلامية في الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، تكون منطلقاته من مبادئ الإسلام وتصوراته لشؤون الحياة وأهدافه توفير الحصانة الفكرية والسلوكية للمسلمين، والجمع بين الدعوة إلى الالتزام بأخلاق الإسلام وسلوكياته وبين المتعة والتسلية في إطار جمالي لا يقل في الكفاءة عن الإعلام المنحرف في جاذبيته وتسليته، والألوان التي يقدمها للمشاهدين والمستمعين والقراء. وهذا مطلوب في الدرجة الأولى من الكتاب والتربويين وأثرياء المسلمين، لتتكاتف جهودهم في إخراج إعلام هادف.

(ج‌) إقامة مؤسسات اقتصادية تلتزم بالتعامل وفق مبادئ الاقتصاد الإسلامي وإبعاد الربا والمعاملات غير المشروعة عن ساحات عملها، ولا شك أن التكنولوجيا والوسائل الحديثة في إجراء معاملاتها ضرورة لا يستغنى عنها، وهي أمور علمية لا تتعارض مع مبادئ الإسلام وأحكامه. كما هو الحال في استخدام التقنيات المتطورة في جميع مجالات الحياة في الإعلام والتربية والتعليم وغيرها.

(د‌) وضع تشريعات وقوانين مستمدة من أحكام الشرع الشريف وثوابت الإسلام وتنظيمها وفق متطلبات العصر وسهولة تطبيقها، بحيث إذا رغب الحاكم أو القاضي أو أي راغب في الوصول إلى حكم قضية ما وصل إليها من غير مشقة[3].

إننا إن لم نخاطب الناس بلغة العصر، ولم توجد البدائل الصالحة لما هو المطبق الآن تكون أقوالنا “صرخة في واد، أو نفخة في رماد”.


[1] انظر: العلمانية نشأتها وتطورها في الحياة الإسلامية المعاصرة، د. سفر الحوالي، ص680، وما بعدها. وكذلك العلمانية وموقف الإسلام منها، د. حمود بن أحمد الرحيلي، ص31، وما بعدها بتصرف.

[2] صدرت فتاوى كثيرة عن علماء المسلمين نصت على العلمانيين بالردة، منهم الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي السعودية الأسبق، والشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمهم الله تعالى، وكذلك من مشيخة الأزهر، تطلب فتاواه من مظانها.

[3] لجأ الكثير من الحكام في العالم الإسلامي منذ أواخر الخلافة العثمانية إلى أخذ الدساتير والقوانين من دول الغرب وخاصة القانون السويسري والفرنسي لحسن تنظيمها وسهولة تطبيقها.