الفرق بين الرسول والنبي والصفات التي يجب اعتقادها في الأنبياء

شارك في التأليف: الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي.

الفرق بين الرسول والنبي:

الرسول من أوحي إليه بشرع جديد، أو تعديل لشرع سابق بالنسخ أو الزيادة، أما النبي فهو الذي بعث بإقامة شرع من قبله، وتجديده في نفوس الناس.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي..”[1]، فأغلب أنبياء بني إسرائيل بعثوا بشريعة موسى عليه السلام، كلما انصرف الناس عنها وحرفوها وبدلوها، أو هجروها ولم يلتزموا بها في حياتهم، بعث الله نبياً أو أنبياءه؛ لإحيائها في النفوس وحمل الناس على الالتزام بها.

الصفات التي يجب اعتقادها في الأنبياء:

إن الله اصطفى أنبياءه ورسله من البشر؛ للقيام بالسفارة بينه وبين خلقه، ولكي يتمثلوا الدعوة التي يدعون الناس إليها في حياتهم، فهم القدوة لسائر الناس يقول جل جلاله: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ﴾ [الممتحنة: 4]، ويقول عز من قائل: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾ [الأحزاب: 21].

لذا فإنهم صلوات الله وسلامه عليهم تتمثل فيهم الكمالات البشرية ويتصفون بصفات جليلة تمثل ذروة الصفات، وكلما اقترب أتباعهم والمؤمنون بهم من هذه الصفات كانوا أقرب للكمال البشري.

 

من أهم هذه الصفات:

أولاً: العصمة:

وهي حفظ الله لأنبيائه ورسله عن الوقوع في الذنوب والمعاصي[2]، وذلك لأن الله جل جلاله أمر باتباعهم والاقتداء بهم فلو جاز وقوعهم في المعصية؛ لأصبحت المعصية مشروعة حيث إن أقوالهم وأفعالهم مصدر للتشريع لأممهم، يقول عز وجل: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الحشر: 7]، ومن مقومات نجاح دعوتهم وتأثيرها في الناس سيرتهم العطرة المشرقة بنور الهداية الزاخرة بالفضل، والنبل والعفة والصلاح..

 

ثانياً: الصدق:

الصدق صفة فطرية أساسية في الأنبياء والمرسلين، تلازمهم منذ الصغر؛ لأن الإخلال بهذه الصفة يزعزع الثقة بهم، وهم يخبرون عن الله سبحانه وتعالى عن عالم الغيب، فالإيمان بهم يعني تصديقهم في كل ما يخبرون به، لذا نجد الآيات الكريمة ترسخ هذا المعنى في أذهان المؤمنين، ليثقوا برسولهم صلى الله عليه وسلم الثقاة فيما يخبرهم به، يقول عز من قائل: ﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ * وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الحاقة: 44-48].

لذا نجد أن مشركي قريش كانوا يقولون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة: الصادق الأمين، وبعد البعثة يقولون في لحظات الصدق مع أنفسهم: ما جربنا عليه كذباً قط، كما أخبرنا الله سبحانه وتعالى عنهم: ﴿ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [الأنعام: 33].

 

ثالثاً: الأمانة:

والأمانة صفة أساسية في الأنبياء والمرسلين، والمقصود بها أن يؤدوا رسالات ربهم كما أوحي بها إليهم من غير زيادة أو نقصان ودون تحريف أو تبديل، فهم مؤتمنون على الوحي، وكل نبي كان يقول لقومه: ﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾ [الشعراء: 107]، يقول عز وجل عن رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ﴾ [التكوير: 24]، أي بمتهم فيما يخبر به من الوحي وقضايا الغيب.

لهذا كانت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم صفحة مفتوحة معلنة لا يخفى منها شيء، حتى أموره الخاصة، وعتابات ربه له، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: (لو كان محمد صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً مما أنزل عليه لكتم هذه الآية: ﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ﴾ [الأحزاب: 37])[3]، إن الأمانة تشكل أرضية الثقة بالرسول، فبدونها لا تطمئن النفوس، ولا تسكن القلوب، وبالتالي لا يكون الاتباع والطاعة.

 

رابعاً: التبليغ:

وهذه الصفة من مستلزمات الرسالة، فمهمة الرسول بيان الهدايات للأمة، ولا يتم البيان إلا بالتبليغ، وينبغي أن يكون البلاغ على صورة لافتة للنظر، حاملة على التفكير والتدبر فيما يبلغه الرسول، لذا وصف القرآن البلاغ بالمبين قال تعالى: ﴿ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 54]، ولما كان البلاغ التام الواضح المطلوب، فأي تقصير فيه إخلال بالمهمة وتقاعس عن الواجب، لذا يقول عز من قائل: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ﴾ [المائدة: 67].

وتبليغ الدعوة بالشكل الظاهر اللافت للأنظار قد يسبب للرسول أو للداعية الأذى والاضطهاد، بل ربما النفي والقتل والتشريد، ويكون كل ذلك في الحسبان، لذا جاءت في وصية لقمان لابنه وهو يعظه: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17].

 

خامساً: الفطانة:

لما كانت مهمة الأنبياء والمرسلين هي دعوة الناس إلى توحيد الله سبحانه وتعالى والالتزام بشرائعه، وإقامة الحجة على المعاندين، فلا بد من دخولهم في حوار وجدال مع فئات الناس، فالمهمة تقتضي أن يكونوا على جانب عظيم من الذكاء والفطنة لمعرفة أساليب العرض الشيق عليهم، وحملهم على الاقتناع بالبراهين العقلية، وكذلك لا بد من إدراك مرامي القوم وأساليبهم في الجدال؛ لكي يقوموا بتفنيدها، وقد ورد الكثير من أساليب المحاجة في قصص القرآن الكريم، مما يدل على نبوغ الأنبياء ونباهتهم الخارقة، فالله سبحانه وتعالى يختار لرسالته أكمل الناس عقلاً، وأوفرهم ذكاءً، وأقواهم حجة، وأظهرهم برهاناً ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [الصف: 9].

سادساً: السلامة من العيوب المنفرة:

إن الله اصطفى الأنبياء من البشر؛ ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ﴾ [الكهف: 110]، يعتورهم ما يعتور البشر من حالات الأكل والشرب والجوع والعطش والصحة والمرض إلا أن مهمتهم تقتضي الاختلاط بالناس؛ لتبليغهم الدعوة، وغشيان مجالسهم ومنتدياتهم، ومشاركتهم حياتهم، والعيوب المنفرة كالأمراض المعدية، مثل: الجذام والبرص والعاهات الخلقية.. تتنافى مع هذه المهمات، وتجعل الناس ينفرون منهم.

والله سبحانه وتعالى قد هيأ لأنبيائه من المقومات ما يسهل عليهم أداء المهام، وتجعل أفئدة الناس تهوي إليهم فكان من لوازم تيسير مهمتهم سلامتهم من هذه العيوب ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [الأنعام: 124].

هذه جملة من الصفات الخلقية التي يجب اعتقادها في الأنبياء والمرسلين، وبدونها لا تنسجم عقيدة المؤمن في الأنبياء ويكون التناقض والتذبذب في الأقوال والأفعال والمعتقدات.

اللهم ارزقنا الإيمان الكامل والعمل الصالح، وحسن الظن بأنبيائك ورسلك وحسن الاتباع لنبيك محمد صلى الله عليه وسلم.


[1] رواه البخاري في صحيحه باب ما ذكر عن بني إسرائيل، رقم الحديث (3268)، ومسلم في صحيحه باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء، رقم الحديث (1842)، وأحمد في المسند رقم الحديث (7947). مسند أبي هريرة.

[2] انظر النبوة والأنبياء للصابوني، ص50.

[3] رواه الشيخان: البخاري رقم (6984)، باب وكان عرشه على الماء، ومسلم رقم (177) واللفظ له باب معنى قوله عز وجل (ولقد رآه نزلة أخرى) 1 /160.