الإيمان بوجود الجن

شارك في التأليف الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي

أولاً: تعريف الجن في اللغة العربية:

أصل الجن: ستر الشيء، تقول جنه الليل، وجن عليه فجنه: ستره، يقول تعالى: ﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ ﴾ [الأنعام:76]، أي ستر عليه وأظلم، والجنان: القلب لكونه مستوراً، والجنين: الولد ما دام في بطن أمه، فهي تفيد معنى الاستتار والاختفاء[1].

تعريف الجن في الاصطلاح: مخلوقات غير مرئية، مخلوقة من نار قابلة للتشكل لأشكال مختلفة حسنة وقبيحة، وتظهر منهم أفعال عجيبة.

 

ثانياً: خلق الجن:

وهم مخلوقون من نار قبل أن يخلق الإنسان من طين، حيث نص على ذلك القرآن الكريم، يقول تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ ﴾ [الحجر: 26-27]، وإبليس نفسه قال لربه: ﴿ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [الأعراف:12]، وورد في الحديث المشار إليه سابقاً: «خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار».

 

الفرق بين الجن والشياطين:

والفرق بين الجن والشياطين يتمثل في أن الجن يشمل المؤمن والكافر، والطائع والعاصي، يقول تعالى على لسان الجن في سورة الجن: ﴿ وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا *… وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا ﴾ [الجن: 11…14-15].

وأما الشياطين فتطلق على الكفار من الجن فقط، والشياطين جمع مفرده “شيطان” والشيطان مأخوذ من “شطن” أي تباعد، أو من “شاط يشيط” احترق غضباً، لأنه مخلوق من النار، فالشياطين هم مردة الجن[2]. “وإبليس” هو أبو الشياطين.

 

ثالثاً: الجن مكلفون:

إذا كان “الجن” يشمل المؤمن والكافر، الطائع والعاصي -كما قلنا- فمعنى ذلك أنهم مكلفون محاسبون يقول تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات:56]، فقد أرسل الله إليهم الرسل ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا ﴾ [الأنعام:130]، والرسول صلى الله عليه وسلم مبعوث إليهم أيضاً حيث تحداهم الله سبحانه مع الإنس بإعجاز القرآن فقال تعالى: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ﴾ [الإسراء:88].

والخطاب في سورة (الرحمن) موجه إليهما معاً، يقول تعالى: ﴿ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ﴾ [الرحمن: 31-33]، وقد استمع نفر من الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو القرآن الكريم فآمنوا به، ودعوا أقوامهم إلى الإيمان به أيضاً يقول تعالى: ﴿ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ﴾ [الأحقاف:29].

ونزلت سورة “الجن” وفي أولها ﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾  [الجن: 1-2].

 

رابعاً: الجن لا يعلمون الغيب:

وإذا كان قد أشيع لدى البعض أن الجن يعلمون الغيب، فإن الله عز وجل بين أن علم الغيب مما استأثر الله به، ولا يطلع أحد عليه إلا من ارتضى من رسول فيقول سبحانه: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ﴾  [الجن: 26-27].

وقال على لسان الجن: ﴿ وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً ﴾ [الجـن:10]، بل إن الجن الذين سخرهم الله لسليمان عليه السلام لم يعلموا بموته إلا بعد أن خر أمامهم يقول تعالى: ﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾ [سـبأ:14].

—————————————————————————————————————–

[1] راجع مفردات ألفاظ القرآن للأصفهاني، ص203-204، دار القلم بدمشق 1418هـ -1997م.

[2] راجع المصدر السابق، ص454.