الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد ورد في أكثرَ من نصٍّ كريم اقتران ذِكر هذا الشهر بذِكر القرآن: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185].
• ولعل من أسرار الاقتران أنَّ النفس إذا ترفَّعَت عن شهواتها كانت أقربَ إلى الملأ الأعلى، وأقرب شفافية لتدبر معاني القرآن.
• وكلَّما كانت الشفافية أكثر، كانت البصيرة أقوى، وكان الأخذ بحظ أوفر؛ يقول عز من قائل: ﴿ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ﴾ [الرعد: 17].
يقول المفسِّرون: هذا التمثيل للوحي المنزَّل من الله سبحانه وتعالى أنزل من السماء وحيًا تحيا بها الأنفس كما تحيا الأرض بالماء المنزل، فكَما تأخذ أوديةُ الأرض حسَب سَعَتها وحسب طاقتها من الماء، كذلك تأخذ القلوب من الوحي المنزل حسب طاقتها وشفافيتها؛ لذا كان التفاوت بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول مجاهدٌ: جالستُ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدتُهم كالإخَاذ؛ الإخَاذ يَروي الشخص، والإخاذ يروي الشخصين، والإخاذ يروي العشرة، والإخاذ يَروي المائة، والإخاذ لو ورد عليه أهل الأرض لأصدرهم جميعًا.