بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ * إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ﴾ [التحريم: 3 – 5]
المناسبة بين هذا المقطع وسابقه:
صلة هذا المقطع بسابقه كالتفصيل للإجمال، فإن النفوس تتطلع إلى معرفة أسباب هذا العتاب، وحقيقة هذا التحريم وكيفية وقوعه، وبما أن الأمر يتعلق بتشريع الأمة وتربيتها، اتخذت هذه الحادثة منطلقًا للتوجيهات الربانية في مثل هذه الحالة وما يشابهها من تصرفات تجري بين أفراد الأسرة المسلمة.
وحسب منهج القرآن الكريم في التركيز على مواطن العبرة والعظة من الحادثة فقد أهمل ذكر الشيء الذي حرمه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على نفسه، كما أهمل ذكر الشيء الذي أسره لزوجه، ولم يتحدث عن جوانب الحديث الذي عرّف به والجانب الذي أعرض عنه.
لأن هذه الجزئيات لا تتعلق بتربية الأمة وشؤونها، إنما كان التركيز على إيداع السر، ثم إخبارها به وإفشائها له، وإطلاع الله رسوله على ذلك، فلما كشف لها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن جوانب منه ولم يستقص ترفقًا وتكرمًا وإبقاء للود.
– فما استقصى كريم قط[1] – استغربت ذلك وقالت من أنبأك هذا …
فالمقطع كما قلنا تفصيل لما تقدم ونتيجة لما كان قد أشير إليه في المقطع السابق.
الحديث المستكتم:
تباينت أقوال العلماء في تحديد الحديث الذي أسره رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى بعض أزواجه وتعيين القسم الذي عرّف به والقسم الذي أعرض عنه، وما الحكمة في هذا الإعراض.
فمنهم من ذهب إلى أن الحديث الذي أسر به واستكتمه حفصة كان ذا شقين:
الشق الأول يتعلق بشخصه – صلى الله عليه وسلم – وهو الامتناع عن شرب العسل عند زينب والامتناع عن إتيان جاريته. وعندما أخبرت حفصة عائشة بذلك مبتهجة به وأطلعه الله سبحانه وتعالى عليه، ذكره لها وعاتبها لِمَ باحت بسره ولم تكتمه وفي هذا الإخبار والمعاتبة تأديب لها من غير أن يترتب عليه أثر على الأمة، كما أن إشاعة ذلك لا ضرر منه بل يكون تشريعًا للأمة واعتبارًا بالأحوال واتعاظًا بالتوجيهات.
أما الشق الثاني الذي استكتمها إياه فنبأت به ولم يذكّرها به عند العتاب، قال المفسرون كان يتعلق بأمر الخلافة بعده، وأن أبا بكر وعمر يتوليان الأمر من بعده[2]، وقالوا في حكمة هذا الإعراض أنه لم يشأ ذكره لئلا ينتشر الأمر لأن في انتشاره تأثيرًا على إرادة الأمة في اختيار خليفتهم بعد وفاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولم يشأ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يجعل سابقة تشريعية في هذا الأمر سوى الشورى واختيار الأصلح الذي يرتضيه المسلمون.
هذا ما قاله المفسرون في شأن الحديث المستكتم: المعرف به، والمعرض عنه، ولم يصح بالحديث المستكتم رواية يطمأن لها.
وأرى أن يسعنا ما وسع صحابة رسول اله – صلى الله عليه وسلم – من الإبقاء على حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المكتوم، والحفاظ على سره الذي أعرض عنه. مع اعتقادنا الجازم أن هذا الحديث لم يكن من شأن الرسالة ولو كان من شأنها لأعلنه ولم يخص به ولا أسرّه.
ولو كانت تتعلق بمعرفة هذا الحديث مصلحة للمسلمين لبحث عنها صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقد بقيت أمهات المؤمنين – صواحب الشأن في القضية – بعد وفاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مدة طويلة[3] ولم نسمع أن أحدًا اتصل بهن وسألهن عن الحديث المستكتم، بينما كانوا يقصدونهن في كل أمر أشكل عليهم فهمه أو ثار الخلاف بينهم حوله.
بل لعل الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يعتبرون الحفاظ على سر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعد وفاته نوع وفاء له فما كانوا ليبحثوا عن سره في حياته وبعد مماته.
وهو من نوع ما قاله حذيفة بن اليمان لعمر بن الخطاب عندما حاول الاستفسار منه عن أسماء المنافقين فقال له حذيفة إن كنت تظن أن إمارتك ستجعلني أفشي سر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأنت مخطئ ما كنت لأفشي سر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حيًا أو ميتًا.
المتظاهرتان:
تعددت الروايات التي تذكر اسم أم المؤمنين التي شرب عندها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – العسل فذكرت حفصة، وذكرت زينت بن جحش، وذكرت أم سلمة.
كما اختلفت الروايات التي ذكرت اسم المتظاهرتين فذكرت حفصة وعائشة، كما أوردت أسماء كل من عائشة وسودة وصفية.
ونحن نرجح ما رجحه القاضي عياض والنووي والقرطبي وابن عاشور أن شرب العسل كان عند زينب بنت جحش وأن المتظاهرتين كانتا عائشة وحفصة كما دل عليه حديث ابن عباس وهو ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “لم أزل حريصًا على أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – اللتين قال الله عز وجل ﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾ حتى حج عمر وحججت معه فلما كان عمر ببعض الطريق عدل عمر وعدلت معه بالإداوة فتبرز ثم أتاني فسكبت على يديه فتوضأ فقلت يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – اللتان قال الله تعالى: ﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾ قال عمر: واعجبًا لك يا ابن العباس – قال الزهري: كره والله ما سأله عنه ولم يكتمه – قال: هما عائشة وحفصة، ثم أخذ يسوق الحديث، قال كنا معشر قريش قومًا نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قومًا تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، قال وكان منزلي في بني أمية بن زيد بالعوالي، فغضبت يومًا على امرأتي فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ما تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل، فانطلقت فدخلت على حفصة فقلت أتراجعن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؟! فقالت: نعم، فقلت أتهجره إحداكن اليوم إلى الليل قالت: نعم، قلت لقد خاب من فعلت ذلك منكن وخسرت أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؟ فإذا هي قد هلكت لا تراجعي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولا تسأليه شيئًا، وسليني ما بدالك، ولا يغرنك إن كانت جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – منك – يريد عائشة – وكان لي جار من الأنصار فكنا نتناوب النزول إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فينزل يومًا ويأتيني بخبر الوحي وغيره وآتيه بمثل ذلك، وكنا نتحدث أن غسان تنعل الخير لتغزونا، فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته ثم أتاني عشاء فضرب بابي ثم ناداني، فخرجت إليه، فقال: حدث أمر عظيم، قلت: ماذا جاءت غسان؟ قال: لا، بل أعظم من ذلك وأهول، طلق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نساءه، قلت قد خابت حفصة وخسرت، قد كنت أظن هذا يوشك أن يكون، حتى إذا صليت الصبح شددت عليّ ثيابي ثم نزلت فدخلت على حفصة وهي تبكي فقلت: أطلقكن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: لا أدري، ها هو ذا معتزل في هذه المشربة، فأتيت غلامًا له أسود. فقلت: استأذن لعمر فدخل ثم خرج إليّ فقال: قد ذكرتك له فصمت، فانطلقت حتى أتيت المنبر فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم، فجلست قليلاً، ثم غلبني ما أجد فأتيت الغلام، فقلت استأذن لعمر، فدخل ثم خرج إليّ فقال: قد ذكرتك له فصمت، فجلست إلى المنبر ثم غلبني ما أجد فأتيت الغلام، فقلت: استأذن لعمر، فدخل ثم خرج فقال: قد ذكرتك له فصمت، فوليت مدبرًا، فإذا الغلام يدعوني. فقال: ادخل فقد أذن لك، فدخلت فسلمت على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فإذا هو متكئ على رمال حصير قد أثّر في جنبه، فقلت: أطلقت يا رسول الله نساءك؟ فرفع رأسه وقال: لا. فقلت: الله أكبر لو رأيتنا يا رسول الله وكنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قومًا تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، فغضبت على امرأتي يومًا فإذا هي تراجعني، فأنكرت إذ راجعتني، فقالت: ما تنكر أن أراجعك، فوالله إن أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل، فقلت: قد خاب من فعل ذلك منهن وخسر، أفتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فإذا هي قد هلكت، فتبسم رسول اله – صلى الله عليه وسلم – فقلت: يا رسول الله، قد دخلت على حفصة فقلت لا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – منك، فتبسم أخرى، فقلت: استأنس يا رسول الله؟ قال: نعم. فجلست فرفعت رأسي في البيت، فو الله ما رأيت فيه شيئًا يرد البصر إلا أهبة ثلاث، فقلت يا رسول الله، ادع الله أن يوسع على أمتك فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله، فاستوى جالسًا ثم قال: أفي شك أنت يا ابن الخطاب، أولئك قوم عجّلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، فقلت: استغفر لي يا رسول الله، وكان أقسم أن لا يدخل عليهن شهرًا من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة لعائشة من شدة موجدته عليهن، حتى عاتبه الله تعالى”.
قال الزهري فأخبرني عروة عن عائشة قالت: لما مضت تسع وعشرون، دخل عليّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بدأ بي. فقلت يا رسول الله إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرًا وإنك دخلت من تسع وعشرين أعدهنّ. فقال: إن الشهر يكون تسعًا وعشرين. زاد في رواية وكان ذلك الشهر تسعًا وعشرين ليلة. ثم قال يا عائشة إني ذاكر لك أمرًا فلا عليك أن تعجلي حتى تستأمري أبويك، ثم قال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا.. ﴾ [الأحزاب: 28] حتى بلغ إلى قوله – ﴿ عَظِيمًا ﴾ قالت عائشة: قد علم والله أن أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه فقلت: أفي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة. زاد في رواية أن عائشة قالت: لا تخبر نساءك أني اخترتك، فقال لها النبي – صلى الله عليه وسلم -: إن الله أرسلني مبلّغًا ولم يرسلني متعنتًا[4].
ولمسلم عن ابن عباس عن عمر نحوه: وفيه قال: دخلت عليه فقلت يا رسول الله ما يشق عليك من شأن النساء، فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك. وقلما تكلمت – وأحمد الله – بكلام إلا رجوت أن يكون الله يصدق قولي الذي أقول، ونزلت هذه الآية ﴿ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ ﴾ [التحريم: 5] ﴿ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ﴾ [التحريم: 4].
وفيه أنه استأذن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يخبر الناس أنه لم يطلق نساءه فأذن له وأنه قام على باب المسجد فنادى بأعلى صوته لم يطلق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نساءه[5].
وهنا يرد إشكال لا بد من وقفة عنده هو:
إذا كانت المتظاهرتان حفصة وعائشة كما تقدم في رواية الصحيحين في أسباب النزول وفي حديث ابن عباس الطويل عن عمر المذكور آنفًا. فما شأن بقية أزواج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مثل زينب بنت جحش وهي الضحية وسودة وأم سلمة وغيرهن[6]؟ والإسلام قرّر المسؤولية الفردية ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [الإسراء: 15].
لذا فإننا نرجح أن أحداثًا متلاحقة متقاربة وقعت في بيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وكانت أمهات المؤمنين هن اللاتي يثرن تلك المشكلات مثل حادثة المتظاهرتين وقد تقدم ذكرها. ومثل حادثة رد زينب بنت جحش هدية رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقد أخرج ابن سعد من طريق عمرة عن عائشة قالت: «أهديت لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – هدية فأرسل إلى كل امرأة من نسائه نصيبها، فلم ترض زينب بنت جحش بنصيبها فزادها مرة أخرى فلم ترض، فقالت عائشة لقد أقمأت وجهك ترد عليك الهدية، فقال: لأنتن أهون على الله من أن تقمئني، لا أدخل عليكن شهرًا…”[7].
وحادثة ثالثة وهي التي رواها الإمام مسلم في صحيحه:
… عن جابر بن عبد الله قال دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فوجد الناس جلوسًا ببابه لم يؤذن لأحد منهم، قال فأذن لأبي بكر فدخل ثم أقبل عمر فاستأذن له، فوجد النبي – صلى الله عليه وسلم – جالسًا حوله نساؤه واجمًا ساكتًا قال: فقال: لأقولن شيئًا أضحك النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها فضحك رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وقال: هنّ حولي كما ترى يسألنني النفقة. فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، فقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها كلاهما يقول: تسألْنَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما ليس عنده؟ فقلن: والله لا نسأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – شيئًا أبدًا ليس عنده ثم اعتزلهنّ شهرًا أو تسعًا وعشرين، ثم نزلت عليه هذه الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ… ﴾ حتى بلغ – ﴿… لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾. قال: فبدأ بعائشة فقال: يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمرًا أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك قالت: وما هو يا رسول الله، فتلا عليها الآية. قالت أفيك يا رسول الله أستشير أبوي، بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت، قال: لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها إن الله لم يبعثني معنتًا ولا متعنتًا، ولكن بعثني معلمًا ميَسِّرًا[8].
يقول ابن حجر بعد الإشارة إلى الروايات المتعددة… ويحتمل أن يكون مجموع هذه الأشياء كان سببًا لاعتزالهن، وهذا هو اللائق بمكارم أخلاقه – صلى الله عليه وسلم – وسعة صدره وكثرة صفحه وأن ذلك لم يقع منه حتى تكرر موجبه منهن – صلى الله عليه وسلم – ورضي عنهن[9].
ويقول في موضع آخر: واختلف الحديثان في سبب الاعتزال، ويمكن الجمع بأن تكون القضيتان جميعًا سبب الاعتزال، فإن قصة المتظاهرتين خاصة بهما، وقصة سؤال النفقة عامة في جميع النسوة. ومناسبة آية التخيير بقصة سؤال النفقة أليق منها بقصة المتظاهرتين[10].
الحكمة في الوعيد الشديد للمتظاهرتين:
تأتي بعض الآيات القرآنية مشتملة على الوعيد الشديد على أمر قد يُظن لأول وهلة أنه لا يستدعي هذا التهويل والاهتمام وهذه العقوبات.
ولكن إذا نظرنا إلى القضايا التي جاء عليها الوعيد والتهديد وهوَّل من شأنها بعين فاحصة مدققة وجدناها ترجع إلى أسس العقيدة من التوحيد والإيمان باليوم الآخر والإيمان بالرسول ورسالته.
وأضرب لمثل هذه الآيات الأمثلة التالية:
المثال الأول:
جاء في سورة مريم قوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾[مريم: 88 – 95].
الناظر في الآيات الكريمة قد يخطر على باله لأول وهلة أن مقالة صدرت من أناس لم يستعملوا عقولهم في الاهتداء إلى الحق فافتروا على الله كذبًا ونسبوا إليه زورًا اتخاذ ولد.
وما أكثر المزوّرين للحقائق خلال التاريخ، وما أكثر الذين يطلقون الكلام على عواهنه من غير تدبر لمدلولات كلامهم، فهل يوقف على كلام أمثال هؤلاء مثل هذه الوقفة، وهل من آثار هذه الكلمة وأمثالها أن تؤثر على نظام السماوات والأرض وهدّ الجبال وتدمير الكون، وتقضي على مظاهر الحياة فيه. وقد يتساءل في قرارة نفسه عن سر هذا التهويل والتضخيم من كلمة المضالين ﴿ اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا ﴾.
إن الاستغراب يزول من أذهاننا عندما ننظر إلى القضية بمنظار أدق وأعمق، إن قضايا العقيدة وسائر الأمور العقلية، بل كل وجوه التعامل مع الناس في هذه الحياة يقوم على مسلّمات وبدهيات، جميع العقلاء يسلّمون بها.
إن جميع العقلاء يسلّمون أن: 1 + 1 = 2.
وأن الأبيض غير الأسود وهما ضدان.
وأن الليل غير النهار.
وأن الكل أكبر من جزئه…
إلى قضايا كثيرة غيرها لا يختلف في شأنها عاقلان.
ومن منطلق هذه المسلّمات يتم التفاهم بين الناس في معايشهم وتدبير شئون حياتهم المعيشية، والتفاهم حول قضاياهم الفكرية والتربوية.
ولو جادل إنسان في قضية من هذه القضايا فقال إن الليل مشرق وأن النهار مظلم، وأن الشيء أكبر من كله وأن 1 + 1 = 3 فإننا نتهم هذا القائل باختلال العقل وبالتالي باختلال موازين المقايسة عنده فلا نستطيع أن نتفاهم معه، ونتركه وشأنه ونهمله ولا نلتفت إلى كلامه.
أما إذا كان هذا العاقل ذا خطر وأثر في حياتنا وحياة غيرنا فإننا نحاول أن نقنعه بشتى الأساليب ونعيده إلى جادة الصواب والتسليم بالبدهيات التي يقرها جميع العقلاء، وذلك قبل أن يستفحل الأمر وتحل أمور خاطئة محل هذه المسلّمات وبالتالي يختل نظام التفاهم والتعامل بين العقلاء. إن كثيرًا من أمور العقائد تُتلقى في السنوات الأولى من حياة الطفل، وإذا حفرت هذه العقائد أو الأفكار أخاديد في ذهنه فمن الصعب جدًا اجتثاثها في المستقبل من غير أن تترك ندبات مكانها.
ولنعد بعد هذا التمهيد إلى ما نحن بصدده، إن من المسلّمات البدهية عند العقلاء وأهل الفكر والتدبر أن صفات الخالق مختلفة عن صفات المخلوق وإن اتحدت من حيث الأسماء في بعضها فالمخلوق مستحدث، له بداية ونهاية، تعتوره الحوادث من النمو والزيادة والتكاثر والتوالد أو الضعف والاضمحلال والزوال.
أما الخالق فقديم هو الأول فلا شيء قبله وهو الآخر فلا شيء بعده منزه عن الحوادث، غني عن كل شيء، كل ما سواه مفتقر إليه.
إن مقالة أولئك الذين ضلوا ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا ﴾ إن انتشرت وتبعهم الناس فيها وحلت محل البدهيات العقلية في العقيدة فمعناها أنهم وضعوا الخالق مكان المخلوق فوصفوه بصفاته، وأضفوا على المخلوق صفات الخالق، فكان في ذلك اختلال نظام الكون، ولترتب على ذلك أن يكون للخالق نهاية وبداية وتوالد وتكاثر، وبما أن المولود يأخذ خاصيات المتولد منه وصفاته فيؤدي ذلك إلى القول بتعدد الآلهة.
﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾ [الأنبياء: 22].
﴿ قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً ﴾ [الإسراء: 42].
فهل أدركنا سر هذا التهويل من شأن هذه المقولة الكاذبة الخاطئة المدمرة لنظام السماوات والأرض. إنها مناقضة لأساس التوحيد الذي قوام السماوات والأرض به ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ… ﴾ [البقرة: 255].
المثال الثاني:
لقد قال المنافقون في حادثة الإفك ما قالوا، واتهموا السيدة عائشة الصديقة – رضي الله عنها – في عرضها، وهي الحَصان البريئة الطاهرة.
لا شك أن اتهام البريء شيء قبيح، وعظيم، والذين يفترون الكذب ويلغون في أعراض الناس عامة وفي أعراض المؤمنين خاصة يرتكبون جرمًا شنيعًا ويستحقون ما قرر في شأن القاذفين (ثمانين جلدة).
ولكن قد يظن الظان ما الحكمة في تخصيص حادثة السيدة عائشة رضي الله عنها بهذا الاهتمام، وأن ينزل في شأن براءتها عشر آيات في القرآن الكريم تتلى إلى يوم القيامة، وفي ثنايا هذه الآيات قوله تعالى: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 14، 15] وقوله ﴿ يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 17].
وقد يقول قائل إن السيدة عائشة – رضي الله عنها – ليست أول بريئة اتهمت مثل هذا الاتهام وليست الأخيرة، وليست المنفردة في عصر التنزيل بذلك، فما سر هذا التأكيد والتهويل في شأن حادثة الإفك والتهديد والوعيد الرهيب في المؤاخذة عليها؟!!.
إن الأمر أعظم مما نتصور أو نقدر. إن القضية كانت محاولة من المنافقين – أعداء الإسلام – لزعزعة الثقة بشخص رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، والطعن في عصمته، والتشكيك في نبوته.
إن قضايا الإيمان قائمة على الثقة المطلقة بالرسول – صلى الله عليه وسلم – بأقواله وأفعاله وتقريراته، وبأنه القدوة للمسلمين في حياتهم، وحياته الأسرية النموذج الأمثل للأسرة الإسلامية وأن أي اهتزاز لهذه الصورة المشرقة عن الرسول – صلى الله عليه وسلم – وأهل بيته له آثار على عقيدة المسلمين جميعًا إلى يوم القيامة.
ولقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حريصًا على إبعاد وساوس الشيطان عن قلوب المؤمنين في كل المجالات وخاصة مما يتعلق بالثقة بشخصه وتصرفاته.
روى البخاري من حديث الزهري عن علي بن الحسين كان النبي – صلى الله عليه وسلم – في المسجد… فخرج النبي – صلى الله عليه وسلم – معها – أي زوجه صفية بنت حيي – فلقيه رجلان من الأنصار فنظرا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – ثم أجازا وقال لهما النبي – صلى الله عليه وسلم -: تعاليا إنها صفية بنت حيي قالا سبحان الله يا رسول الله، قال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم وإني خشيت أن يلقي في أنفسكما شيئًا[11].
إن مجرد الوسواس بأن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد شوهد ليلة مع امرأة يجعل القلب ميدانًا لتوهيم الشيطان…
فكيف إذا نجح المنافقون أن يزرعوا في القلوب نظرة السوء إلى عرض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعلمه بذلك وسكوته عليه.
لا شك أنها المدمرة لأساس الثقة برسولهم الذي يجسد في حياته الإسلام: عقائده وتشريعاته وأخلاقه.
ولما كان الأمر متعلقًا بأخص خصوصيات رسول الله – صلى الله عليه وسلم – العائلية فلو جاءت تبرئة السيدة عائشة رضي الله عنها على لسان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أو جاءت في صورة رؤيا يراها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – – كما كانت تتوقع السيدة عائشة – لوجد المنافقون مجالاً للتشكيك أيضًا بأن الرجل يدافع عن عرضه، وهو أمر معهود عند الكرام من البشر أن يغار على عرضه وينافح عنه.
أما إذا كانت التبرئة من خلال آيات الذكر الحكيم المعجز بأسلوبه ودلالاته المبيّن لأبعاد القضية، المشتمل على الدروس التربوية، والعظات البليغة فإنه قاطع لدابر الإرجاف والتشكيك.
وما نحن بصدده الآن من هذا القبيل، إنه أمر يتعلق ببيت الرسول – صلى الله عليه وسلم – البيت المثالي، القدوة لبيوت المسلمين جميعًا، وما يجري فيه يستمد منه المسلمون أحكام دينهم ومناهج حياتهم الأسرية.
فينبغي أن ينزه هذا البيت من ألاعيب النساء وحيلهنّ لكسب قلب الزوج وتحوله عن ضرائرهن بدافع الغيرة النسائية.
فلئن رسخ في أذهان المسلمين أن بيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ميدان لهذه المؤامرات والحيل، وأن تصرفات رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تتأثر سلبًا أو إيجابًا بها وأن أقواله وأفعاله قد تبنى على أمور متوهمة. لتزعزعت الثقة بشخص رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وخاصة ما يتعلق بالجانب العائلي من حياته.
ولا شك أن في ذلك هدمًا لأحد دعائم المجتمع الإسلامي الذي أولاه القرآن اهتمامًا خاصًا.
﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ [الأحزاب: 32 – 33].
فهل نستغرب بعد هذا أن ينزل التهديد هذا والوعيد المجلجل المزلزل وهذا الحشد الذي لا يصمد تجاهه شيء بشأن المتظاهرين ﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ [12]* عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ﴾ [التحريم: 4، 5].
———————————————————————————————————————————————-
[1] أخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال: ما استقصى كريم قط.
انظر الدر المنثور للسيوطي (8/219).
[2] نسب هذا القول إلى ابن عباس والكلبي وغيرهما. انظر الدر المنثور (8/219) ونظم الدرر (20/186) وتفسير الخازن (4/284).
[3] توفيت حفصة بنت عمر بن الخطاب عام 45هـ في خلافة معاوية بن أبي سفيان انظر الإصابة في تمييز الصحابة (4/274).
وتوفيت عائشة الصديقة عام 57هـ انظر الإصابة في تمييز الصحابة (4/361).
وهما المتظاهرتان كما في الصحيحين عن عمر انظر ما تقدم في مبحث أسباب النزول وكما سيأتي بعد قليل.
[4] انظر صحيح البخاري كتاب التفسير (جـ 6 ص 69) وصحيح مسلم بشرح النووي كتاب الطلاق (جـ 10 ص 73).
[5] انظر صحيح مسلم بشرح النووي (10/73) وما بعدها.
[6] كانت تحت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عند وقوع الاعتزال ونزول آية التخيير تسع نسوة: خمس من قريش وهن: عائشة وحفصة وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وأم سلمة بنت أمية وسودة بنت زمعة.
وأربع من غير قريش وهن: زينت بنت جحش الأسدية، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وصفية بنت حيي بن أخطب النضرية، وجويرية بنت الحارث المصطلقية. رضي الله عنهن جميعًا.
انظر حاشية زاده على البيضاوي (4/512).
[7] رواه ابن ماجه في كتاب النكاح (1/664).
[8] صحيح مسلم بشرح النووي: كتاب الطلاق، باب وجوب الكفارة على من حرم امرأته ولم ينو الطلاق (10/81).
[9] انظر فتح الباري كتاب النكاح (9/254).
[10] انظر فتح الباري – كتاب التفسير – (8/400).
[11] انظر صحيح البخاري في كتاب الاعتكاف (2/258)، ومسند الإمام أحمد (3/156).
[12] الحكمة في العدول عن عطف المفرد إلى عطف الجملة في قوله تعالى ﴿ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ﴾ ليؤذن بالفرق، فإن نصرة الله هي النصرة في الحقيقة، وأن الله تعالى إنما ضم إليها المظاهرة بجبريل وبصالح المؤمنين وبالملائكة للتتميم تطييبًا لقلوب المؤمنين وتوقيرًا لجانب الرسول وإظهارًا للآيات البينات كما في يوم بدر وحنين، قال الله تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾. [آل عمران: 126] وانظر الجمل على الجلالين (4/366).