شارك في التأليف الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي
أهميته:
الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وقد ربطه الله سبحانه وتعالى بالاستطاعة فقال عز من قائل: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ﴾ [آل عمران: 97].
والاستطاعة كما بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الزاد والراحلة»[1]، ومن مقومات الاستطاعة الصحة وأمن الطريق، وللمرأة وجود المحرم كما دلت أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل الحج وعظيم مثوبته ومحقه للذنوب، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: «لكن أفضل الجهاد حج مبرور»[2].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحج أيضاً: «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه»[3].
كما بين رسول الله إثم التاركين لهذا الركن المتهاونين فيه فقال: «من ملك زاداً وراحلة يبلغ به إلى بيت الله فلم يحج فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً»[4] قال العلماء إذا كان غير معتقد بوجوب الحج فهو مرتد غير مسلم، وأما إن كان يعتقد بوجوب الحج ولكنه أهمل فقد ارتكب جرماً عظيماً لا يرتكبه إلا الكفار.
آثاره:
والحج مدرسة تربوية عظيمة ودورة تدريبية يدخلها المسلم مرة في العمر على الوجوب يتلقى فيها دروساً في الطاعة البدنية والإنفاق المالي والتنظيم والإدارة مما يكون له الأثر العظيم على مستوى الفرد والجماعة.
فمن الآثار الفردية:
أ- ورد قوله تعالى: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ… ﴾ [الحج: 28]، ولفظة المنافع تشمل وجود المصلحة كلها المادية والمعنوية، من تجارة وعلم، ولقاء بالأحبة وتبادل خبرات في السياسة والاقتصاد والإعلام.
وجاء في سياق آيات الحج ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ… ﴾ [البقرة: 198]، ولا يتنافى كل ذلك مع نية الحج وأداء النسك الذي هو الأصل والدافع للقدوم – ولكن يسر الدين وسماحته لم تمنع الناس من قضاء مصالحهم وتحقيق مكاسبهم من خلال موسم الحج.
ب- إن الالتزام بأداء المناسك في موسم الحج في أوقات محددة من اليوم والليلة، تدريب للمسلم على النظام، لكيلا يكون أسير حياة يومية روتينية لا يتحمل تغييرها، ففي ذلك خروج على الإلف والعادة لإخضاع نفسه للنظام وأحكام الشريعة.
ج- إن تعرض الحاج إلى مفارقة الأهل والأولاد والأوطان يذكره بالفراق الأكبر الذي لا عودة بعده إليهم، فيأخذ العبرة ويستعد لذلك اليوم.
د- إن خروجه متجرداً من زينته وثيابه، ولباسه الإحرام تذكير له بما يحمله معه من متاع الدنيا عند مفارقته لها للقاء ربه.
هـ- ووقوفه بعرفة يذكره بالموقف الأكبر يوم الحشر ﴿ وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً * وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً ﴾ [الكهف: 47-48].
إن تغير حاله أثناء سفر الحاج وابتهاله لربه، وتقديمه القرابين لربه، (أفضل الحج العج والثج، فأما العج فالتلبية وأما الثج فنحر البدن)[5]، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتمسكه بآداب الحج وأحكامه واجتنابه محظورات الإحرام والنسك (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) كل ذلك يؤثر على نفسه وسلوكه، وربما تحولت إلى عادات حسنة وأخلاق حميدة تلازمه طيلة حياته بعد أن تذوقها ووجد حلاوتها خلال موسم الحج.
[1] رواه الحاكم، رقم (1613)، وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والترمذي رقم (819).
[2] رواه البخاري، الحديث رقم (2632)، باب فضل الجهاد والسير 3/ 1026.
[3] رواه البخاري، رقم (1449)، باب فضل الحج المبرور، 2/ 553، ومسلم رقم (1350)، 2/ 983.
[4] رواه البيهقي في شعب الإيمان عن علي (3978)، 3/ 43، ورواه في السنن الكبرى عن أبي أمامة (8443) ورواه موقوفاً على عمر، وانظر مصنف ابن أبي شيبة (14450)، 3/ 305.
[5] مجمع الزوائد، 3/ 224، وقال: رواه أبو يعلى في مسنده، وفيه رجل ضعيف.