إن في جبلة الإنسان حب التملك والسيطرة، وإشباع الغرائز والانطلاق من القيود التي تلزم سلوكاً معيناً في الحياة، وهذه الأمور في الصفات البهيمية في كل إنسان إلا أن العقل الذي منحه الله جل جلاله للإنسان وميّزه به عن سائر المخلوقات يفرض عليه كتم كثير من الشهوات البهيمية وعدم الجري وراءها في كل الميادين وإنما يشبعها بمقدار، وما اختلط على العقل أمره ولم يميز بين السليم والسقيم فيه أو لم يحط بأبعاد المفاسد والمصالح فيه، فقد جاء الوحي الإلهي على ألسنة الأنبياء والمرسلين لتجلية الموقف الصحيح وإظهار الصراط المستقيم الذي ينبغي سلوكه في العلائق الاجتماعية والتصرفات الفردية إلى جانب التكاليف العبادية. وكلما انحرفت البشرية عن الجادة أو سيطرت الشهوات والشبهات على نور الحق أرسل الله سبحانه وتعالى الرسل مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتب والهدايات لإعادة البشرية إلى جادة الصواب، هذه سنة الله في رسالاته إلى الناس.
إلا أن التاريخ البشري يدل على أن الإنسان لا يترك شهواته ومعهوداته بسهولة لمجرد ورود الحق إليه بل يحاول الاستمرار عليها والدفاع عنها، وكثيراً ما يبرر هذه العادات بحجج وإن كانت واهية إلا أنه يتشبث بها لعلها تنفعه ولو داخل نفسه.
وإذا انكشفت هذه الحجج ولم تنفع صاحبها، وكان التشبث بها مسيطراً على النفوس وقعت المجابهة بين أصحاب الحق وأهل الأهواء والشبهات، وتكون المعارك سجالاً، إلى أن تتحقق سنة الله في خلقه ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51].
وتاريخ بني إسرائيل مليء بهذه الصراعات، وكثيراً ما تمكن أهل الباطل من قتل خصومهم من الأنبياء والصالحين، يقول جل جلاله عنهم: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 155].
إلا أن عبقرية اليهود لم تقف عند المجابهة والتبرير والتحايل، بل طالت في كثير من الأوقات أصل الديانة والشرائع فحرفتها لتلائم دوافعهم وأهواءهم، وتناولت سير الأنبياء والمرسلين الأطهار فشوهتها لتكون منطلقاً لانحرافاتهم السلوكية فلا يعترض على انحرافاتهم لأنهم بشر قاصرون وقعوا فيما وقع فيه أنبياؤهم، وليسهل عليهم قيادة الرعاع الذين تسيرهم شهواتهم فإذا ملكوا أزمتها تمكنوا من قيادتهم ولو إلى ما فيه حتفهم.
وأدرك اليهود أن السيطرة على النفوس والعقول لا تتم إلا بتحقيق جانبين لهم:
الأول: القضاء على كل معتقد يجمع أتباعاً ويصوغهم صياغة معينة، وإحلال معتقد تافه متناقض مكانه تتباين حوله الآراء والأفكار، فلا هو معتقد سماوي ينظر إليه بقدسية، ولا هو معتقد بشري تتوصل العقول إليه بناء على التجربة، بل يخلطون بين الخرافة والمثالية غير الواقعية والبهيمية في السلوك والإخلاد إلى مستنقع الشهوات، وبذلك تتميع الشخصية وتنحط الأخلاق ويسهل انقيادها ويتحكم في مصائرها، فلا عقيدة دافعة للمقاومة ولا سياجاً خلقياً يحمي من الذوبان.
الثاني: السيطرة المالية والتحكم في المصالح.
وقد رأوا أن أقرب طريق للسيطرة على المال والاقتصاد العالمي هي جمع المال بأي وسيلة كانت ومن أشهر هذه الطرق: الربا، والتجارة بالعرض والتجارة بالسلاح والمحرمات.
فإلى جانب توفير المال في الأيدي بسهولة من هذه الطرق، هناك مكاسب جانبية تتحقق جراء استخدام تلك الطرق فالربا يؤدي إلى تحكم طبقة معينة محدودة العدد في مصير الشعوب والأمم وذلك من خلال السيطرة على مقدرات تلك الشعوب، فيؤدي إلى وجود الأحقاد والبغضاء بين تلك الطبقة الطفيلية المتسلطة وبين سواد الشعب المحروم فيزداد الصراع الطبقي وتسفك الدماء وتثور الفتن.
والتجارة بالعرض يؤدي إلى نشر الرذيلة وسيطرة البهيمية على مشاعر الإنسان، والانحطاط الخلقي مرتع خصيب لنشر الدمار والانحراف وبالتالي السيطرة على مقاليد الأمور فما أسهل التحكم في قدرات شعب تسيره شهواته.
والتجارة بالسلاح يساعد على نشر الفتنة وسفك الدماء وتوقد أتون ومحارق لمقدرات الشعوب من الأموال والرجال والمستفيد من كل ذلك هم تجار الأسلحة فأرباحهم متحققة مهما كان مصير المعارك فالغالب والمغلوب فيها خاسر، وقد أجاد اليهود استغلال هذه الميادين، منذ فجر تاريخهم الأسود، فما حلوا بقعة من الأرض إلا وحاولوا السيطرة على أهلها عن طريق الربا والفساد الخلقي وإثارة الفتن ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [المائدة: 64].
ودهاقنة الإفساد في العالم لم يكتفوا بنشر الفساد وإثارة الفتن والحروب وسيلة للسيطرة على العالم بل جعلوا ذلك ديناً يتقربون به إلى الله بزعمهم، وما أخطر الانحراف والفساد إذا أصبح معتقداً لدى الإنسان، فطبيعة الإنسان البهيمية إذا أطلق عنانها دمّرت وأفسدت شهوة وجبلة فكيف إذا أصبحت معتقداً يدين الإنسان به ويسعى إلى تحقيقه هدفاً ورسالة؟! هذا ما وصل إليه اليهود منذ أن بدأوا بالتخطيط للسيطرة على العالم.
• ففي مجال العقائد حصروا اهتمام الإله المتخيل عندهم في شعبه المختار وجعلوا أنفسهم أبناء الله دون سائر الناس وما خلق غيرهم إلا لخدمتهم[1] وما الأموال إلا مخلوقة لهم فإن استولى عليها غيرهم أعطاهم الحق في إعادتها بكل وسيلة متاحة مشروعة أو غير مشروعة[2].
• وفي الرسالات والنبوات ينبغي في زعمهم أن تكون حكراً على بني إسرائيل لهداية من ضل منهم[3] أما غير بني إسرائيل فلا يرتقون إلى مرتبة الخطاب ولا التكاليف لأنهم كالبهائم، لذا فكل من ادعى النبوة ولم تكن له صلة قربى ببني إسرائيل فدعواه مرفوضة باطلة في كتب بني إسرائيل التي حرفوها، وطمسوا معالم كل دعوة أو إشارة وردت في التوراة إلى وجود أنبياء من غيرهم أو يمكن أن يأتوا في مستقبل الأيام.
• أما ميادين التشريعات والأحكام والهدايات والأخلاق، فأطلقوا لأيديهم حرية التحريف والتبديل وجعلوا كتبهم قراطيس يظهرون شيئاً منها ويكتمون ما لا يلائم أهواءهم ومخططاتهم في توجهاتهم العامة. وكتبهم مليئة بترهات ينزه العاقل ذهنه من أن يفكر بأنها شريعة سماوية.
• إلى جانب كل ذلك فقد نفخوا في أتباعهم تلك العنجهية الفارغة، وأطلقوا أبواقهم الكاذبة لزعم أن الشعب المختار خلق من جبلة خاصة. هيأه الله للسيادة والقيادة[4].
ولتحقيق كل ذلك كان توغلهم في المجتمعات الإنسانية لتحقيق مآربهم وأهدافهم في الإفساد والسيطرة. فكان الصراع بينهم وبين شعوب العالم جميعاً.
ولا تكاد تجد شعباً ذا حضارة على وجه الأرض إلا وكان له مع اليهود مواقف وملاحم. هذه سنة الله في اليهود وفي المجتمعات التي يعايشهم اليهود.
ومن هذه الأمم ذات الحضارات على وجه الأرض أمة الإسلام وقد كان لهم مع اليهود منذ انبثاق فجر الإسلام صولات وجولات، في كل الميادين في العقائد والتشريعات والأخلاق والمواقف السياسية والحضارية والميادين الاجتماعية ولا زال هذا الصراع دائراً وسيستمر إلى يوم القيامة.
فالإسلام يسعى لإقامة المجتمع الرباني الذي يقوم بالعبودية لله تعالى، وينشر العدل والحب والصفاء والنقاء والطهر.
واليهود يسعون لإفساد هذا المجتمع واستغلاله والسيطرة على مقدراته المادية والمعنوية وتسخيره لمآربه وإثارة الفتن والمفاسد بين شعوبه، والقضاء على مقومات هذا الدين في جميع الميادين لإحلال حضارة الانحطاط الخلقي والجشع المادي والفتن والحروب محله. إنها معركة الوجود وتحقيق الذات بين المسلمين وبين اليهود على مدار التاريخ، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
[1] يقول الحاخام – أباربانيل -: (المرأة غير اليهودية هي من الحيوانات، وخلق الله الأجنبي على هيئة الإنسان ليكون لائقاً لخدمة اليهود الذين خلقت الدنيا لأجلهم، لأنه لا يناسب الأمير أن يخدمه ليلاً ونهاراً حيوان وهو على صورته الحيوانية، كلا ثم كلا، فإن ذلك منابذ للذوق والإنسانية كل المنابذة) انظر الكنز المرصود/75.
[2] يقول ألبو ومعه جمهرة الربيين: إن الله أعطى اليهود كل قوة على خيرات الأمم ودمائهم. همجية التعاليم الصهيونية ص 73. “إن ممتلكات النصراني بالنظر إلى اليهودي هي ممتلكات لا مالك لها مثل رمال البحار وأول يهودي يستولي عليها عنوة يكون مالكها الأصيل” المرجع السابق ص 77.
[3] انظر همجية التعاليم الصهيونية ص 63 وما بعدها.
[4] قال الرابي مناحم: أيها اليهود، إنكم من بني البشر لأن أرواحكم مصدرها روح الله، وأما باقي الأمم فليست كذلك، لأن أرواحهم مصدرها الروح النجسة. انظر الكنز المرصود في قواعد التلمود ص 75.