أساليب في التربية – العطاء الكثير على العمل القليل

إن رحمة الله واسعة، يعطي الكثير على العمل القليل إذا كان خالصًا لوجه الله جل جلاله لا تشوبه شائبة الشرك الأكبر والأصغر وكان المؤمن حال أدائه العمل الصالح في منأى عن الحرام وملابساته فكان مطعمه حلالاً وملبسه حلالاً وقد غذي بالحلال.

إن أثقل ما يوضع في الميزان كلمة التوحيد.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “من سبّح الله في دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وكبر الله ثلاثًا وثلاثين، وقال في تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر[1].

لو أدرك المذنب أن لله مائة رحمة أنزل منها واحدة على أهل الأرض فوسعتهم جميعًا فبها يتراحم الناس والدواب وادخر الله سبحانه وتعالى لنفسه تسعًا وتسعين رحمة عنده ثم يكملها بهذه الرحمة مائة ليرحم بها عباده المؤمنين الذين ماتوا على كلمة التوحيد، فهل تتصور سعة رحمة الله تعالى[2].

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرًا فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له، قالوا يا رسول الله وإن لنا في هذا البهائم لأجرًا، فقال: في كل كبد رطبة أجر[3].

فإذا كان الله سبحانه وتعالى يدخل البغيّ – الزاني – الجنة بسبب شربة ماء سقاها كلب، وما قيمة شربة الماء، وما مكانة الكلب في الفلاة.

وإنما وقع هذا العمل موقعًا من الله تعالى لتلك الشفقة التي انطلقت من شفاف ذاك القلب الذي اعتورته الأحاسيس والمشاعر الإنسانية وتروح بنسمات الرحمة لذي كبد رطبة بلغ منه العطش مبلغًا قد أحسّه من نفسه، إن هذه الأحاسيس بحد ذاتها شيء عظيم في ميزان الله تعالى بغض النظر عن الجهة التي أثارتها وبغض النظر عن العمل والآثار التي نتجت عنها.

لذا كان التائب الصادق في توبته المتوجه إلى ربه كمن لا ذنب له.

فهل تستغرب بعد ذلك هذا الرجاء في الذي هو محقق – كما تقدم – في قوله تعالى: ﴿ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ.. ﴾ [التحريم: 8].

———————————————————————————————————————————————-

[1] صحيح مسلم، كتاب المساجد، ط فؤاد عبد الباقي.

[2] مقتبس من حديث رواه مسلم في صحيحه كتاب التوبة (8/96).

[3] رواه مسلم في كتاب الأشربة (7/44)، وفي رواية أخرى عند مسلم: أن امرأة بغياً رأيت كلباً في يوم حار يطيف ببئر قد أدلع لسانه من العطش فنزعت له بموقها فغفر لها. وقريب منها في صحيح البخاري كتاب الأنبياء (4/148).