من العبادات القولية: الشكر

تصور النعمة وإظهارها[1]

 

شارك في التأليف الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي

 

أ- الشكر من العبادات القولية التي أمر الله سبحانه وتعالى بها، ووعد بالزيادة من النعم التي يشكر العبد ربه عليها، فقال: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].

وإننا وإن اعتبرنا الشكر من العبادات القولية، فإن له تعلقاً بالقلب والجوارح أيضاً.

 

• أما صلته بالقلب أن يضمر الخير لكافة الخلق.

 

• والجوارح فباستعمال نعم الله تعالى في طاعته، والتوقي من الاستعانة بها على معصيته.

 

• والشكر باللسان لإظهار الرضا عن الله تعالى والثناء عليه بما هو أهله حسب طاقته.

 

• ونقيض الشكر الكفر أو الكفران، والكفر إنكار المنعم وعدم الاعتراف بألوهيته، والكفران: عدم الاعتراف بالنعمة سواء بعدم استعمالها أو استعمالها في غير مرضاة الله سبحانه وتعالى[2].

 

ب- مظاهر أداء الشكر وعدمه:

1- المظهر الأول للشكر إذا أصاب الإنسان نعمة أن يقول بلسانه: الحمد لله والشكر لله.

 

2- استعمال النعمة في إتمام الحكمة التي أريدت بها، وهي طاعة الله عز وجل.

 

3- المؤمنون يشكرون الله سبحانه وتعالى على كل شيء على خلقهم ومنحهم العقل وهدايتهم إلى الإسلام، والنعم المحيطة بهم من الهواء والماء وتسخير المخلوقات وكل ما يحيط بهم، وهم يشكرون الله على دوام النعمة ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ﴾ [يس: 71-73].

 

أما أهل الغفلة فهم لا يحسون بالنعمة إلا بفقدها، فمن تعرض لاختناق ثم نجا، أحس بنعمة الهواء، ومن أشرف على الموت عطشاً ثم شرب الماء أحس نعمة الماء وهكذا، لذا ورد في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «… وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك وأسألك لساناً صادقاً وقلباً سليماً وأعوذ بك من شر ما تعلم وأسألك من خير ما تعلم»[3].

 

• وأنجح طريق للشكر، على أهل الإيمان والبصيرة أن يتفكروا فيما حولهم ويتأملوا في أصناف النعم التي أحاطهم الله بها.

 

﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 18]، وقد أشار القرآن الكريم إلى جملة من ذلك كما في قوله تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الواقعة: 68-70].

 

وقوله: ﴿ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78]. وقوله: ﴿ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [القصص: 73].

 

• أما أهل الغفلة عن النعم فعليهم أن ينظروا إلى من دونهم فيما حرموا منه من النعم فلينظر إلى من أصيب بالأسقام والأمراض فيشكر نعمة الله عليه في الصحة، ولينظر إلى السجون والذين ابتلوا بالجنايات، فيشكر الله تعالى على عصمته من الجنايات وليحضر إلى المقابر، ليعلم أن أحب الأشياء إلى الموتى أن يردوا إلى الدنيا ولو يوماً واحداً ليتداركوا ما فاتهم من الإيمان والطاعة، فيحمد الله تعالى على بقائه على قيد الحياة فيصرف بقية العمر إلى ما يشتهيه أهل القبور من العودة إليه. فإذا أدرك تلك النعم شكر الله تعالى. وذاك علاج القلوب الغافلة[4].

ج- آثار الشكر:

1- استحقاق المزيد من النعمة التي شكر الله سبحانه وتعالى عليها حسب وعد الله تعالى: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7].

 

2- الوقاية من عذاب الله تعالى، فإن المطيع لأمر ربه القائم بالمطلوب منه لا يعذبه ربه كما في قوله تعالى: ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾ [النساء: 147].

 

3- استحقاق ثواب الله سبحانه وتعالى، لأنه أدى عبادة أمر بها، كما جاء في قوله تعالى: ﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [الزمر: 66].

 

وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [البقرة: 172].

 

وقوله: ﴿ إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ﴾ [الإنسان: 22].

 

4- الاتصاف بخلق من أعظم الأخلاق حيث وصف به الأنبياء والمرسلون، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه «أفلا أكون عبداً شكوراً»[5].

 

وقال الله سبحانه وتعالى عن إبراهيم عليه السلام: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [النحل: 120، 121].

 

ومن دعاء سليمان عليه السلام ﴿ وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ ﴾ [النمل: 19]، وعن نوح عليه السلام ﴿ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً ﴾ [الإسراء: 3].

 

بل وصف الله سبحانه وتعالى ذاته العليا بالشكر فقال: ﴿ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [التغابن: 17]، ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [الشورى: 23]، ﴿ وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 158].

 

5- صفة الشكر تورث المحبة والمودة والتواصل بين الناس، لأننا أمرنا بشكر الناس على ما يصلنا منهم من صلة ومعروف، وقد حيث رسول الله صلى الله عليه وسلم على شكرهم فقال: «من لم يشكر الناس لم يشكر الله»[6].

 

ودلنا على طريق الشكر فقال: «من أعطي عطاء فوجد فليجز به، ومن لم يجد فليثن، فإن من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر»[7]. وقال صلى الله عليه وسلم: «من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيراً فقد أبلغ الثناء»[8].

 

وكل ذلك يضفي على علاقات الناس شفافية من المحبة والتقدير والعطف.


[1] مفردات الراغب، 389.

[2] المهذب من إحياء علوم الدين، 2 / 288، باختصار وتصرف.

[3] أخرجه الترمذي (3407)، 5/ 476.

[4] المهذب من إحياء علوم الدين، 2/ 294.

[5] متفق عليه، البخاري (1078)، باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورم قدماه، 1/ 380، ومسلم (2819).

[6] رواه أحمد (11298) عن أبي سعيد الخدري (3/ 32)، والترمذي (1954) وقال: حسن صحيح 4/ 339، وأبو داود في سننه (4811)، باب في شكر المعروف، 4/ 255.

[7] رواه الترمذي (2034)، باب ما جاء في المتشبع بما لم يعطه، وقال: حسن غريب، 4/ 379.

[8] رواه الترمذي (2035)، وقال حسن غريب، 4/ 380، وصحيح ابن حبان (3413)، 8/ 202.