شارك في التأليف: الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي.
إن لكل خطرٍ وسيلة خاصة لدرئهِ والوقاية منه، وبما أن أهم أخطار العولمة تبرز من خلال مجالاتها: الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية، فإننا نستعرض أهم الخطوات التي ينبغي أن تتخذ لدرء تلك الأخطار في كل مجال:
أولاً: أما في المجال الاقتصادي:
أ- فينبغي اتباع إستراتيجية الاعتماد على الذات، وحسن استغلال الثروات الكونية التي منحها الله تعالى ديار المسلمين، وتنميتها وفق خطط بعيدة المدى.
فإن في العالم الإسلامي من المواد الخام والثروات الطبيعية التي لا يستغني عنها العالم، وفيها ما يشكل وحدة متكاملة تغني المسلمين عما لدى غيرهم.
والأمر لا يحتاج إلا إلى إرادة سياسية من أصحاب القرار في العالم الإسلامي وإلى تخطيط مدروس، ولا يعدم العالم الإسلامي الخبرات الفنية ولا رؤوس الأموال، فإن العقول المهاجرة إلى العالم الغربي ورؤوس الأموال المتسربة إلى أسواق الغرب سرعان ما تعود إلى العالم الإسلامي إذا رأت المناخ الآمن.
ب- ينبغي أن نبدأ صناعاتنا، ومؤسساتنا الاقتصادية وشركاتنا بتمويل إسلامي وبتكنولوجيا محلية، ولو بإمكانات أقل وتطور أقل وإنتاج منخفض في الكم والكيف، وتوضع خطط لتطويرها إلى الأحسن.
وذلك أفضل بكثير من إنشاء صناعات ضخمة بتمويل أجنبي وتكنولوجيا أجنبية يتحكمون فيها، ويستطيعون ضربها متى يشاؤون، ويكون كل ذلك من منطلقات وثوابت الأمة في عقائدها ومصلحتها العليا[1].
ج- ينبغي أن يكون هناك تخطيط مركزي في دول العالم الإسلامي، وسوق إسلامية مشتركة، واتفاقات بين الحكومات تزيل العقبات أمام سرعة تبادل رؤوس الأموال والخبرات الفنية والمنتجات الصناعية بين أقطار العالم الإسلامي.
قد تكون البدايات شاقة على النفوس التي اعتادت الحرص على مصالحها الخاصة تقديم لذتها الآنية في الحصول على السلع الرخيصة الأعلى جودة على السلع المحلية الأقل جودة وربما الأعلى قيمة إلا أن وعي المسلمين بالمصلحة العليا للأمة، وربط ذلك بنضال الأمة وكفاحها في سبيل سيادتها وامتلاك قرارها، هذا الوعي كفيل بالارتقاء المسلمين إلى مستوى المسؤولية ودعمهم للقضايا المصيرية للأمة.
ثانياً: أما في المجال السياسي:
فإن امتلاك الإرادة السياسية لدى الحكام في العالم الإسلامي أمر أساسي ومبدئي، وشعورهم بضرورة التحرر في بلادهم عن قيود الدول الكبرى، وعن تدخل المنظمات الدولية المسيرة من قبل أعداء الإسلام في شؤونهم الداخلية، كل هذه الأمور تشكل الخطوات الأولى في مواجهة الهيمنة التي يسعى إليها دعاة العولمة.
ولا بد كذلك من إزالة الحواجز النفسية بين الحكام في العالم الإسلامي من جهة، وبين شعوبهم من جهة أخرى.
إن استشعار الحكام بمسؤولياتهم أمام الله سبحانه وتعالى الذي استرعاهم شؤون الأمة الإسلامية كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته..”[2] يحملهم على بذل الجهود لدفع العدوان عن المسلمين أولاً، ورعاية مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية ثانياً، والحفاظ على خصوصياتهم العقدية والثقافية ثالثاً، كما يرعى الراعي غنمه من الذئاب والسباع ويداوي مرضاها ويرتاد لها المرعى الخصيب.
وإذا استشعر حكام المسلمين مسؤولياتهم فلن يعدموا الوسيلة المناسبة التي تجمع كلمتهم، وتقرب بين أقطارهم إلى أن يحققوا وحدة الأمة التي أمر الله سبحانه وتعالى بها في قوله: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103]، ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 92].
إن ممارسة السيادة من قبل المسلمين على بلادهم ومصالحها الذي يطلق عليها الفقهاء (أن يكون الأمن للمسلمين وبيد المسلمين) من مبادئ الإسلام الأساسية، بل لا تكون الدولة إسلامية ولا تكون الدار دار إسلام إن لم يكن الأمن فيها بيد المسلمين، وإن أي تنازل عن حق السيادة على بلاد المسلمين لأعداء المسلمين خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين، وتفريط في الواجب الملقى على عاتق الحكام تجاه رعيتهم.
[1] يقول المحللون إن الغرب تمكن من ضرب التقدم الاقتصادي الذي أحرزه (النمور الآسيوية) وخاصة إندونيسيا وماليزيا لسببين: الأول: أنهم اعتمدوا في صناعاتهم وتخطيطهم الاقتصادي على التكنولوجيا الأجنبية ورؤوس الأموال الأجنبية.. والثاني: أنهم تاجروا في البورصة. وهي تعتمد على تحويل الأموال إلى سلعة يتاجر به وهو مخالف لمبادئ الدين الإسلامي الذي حرم الربا وفلسفة الإسلام في ذلك أن المال لا يكون سلعة، فاستغل الملياردير اليهودي (سورس) لضرب البورصة الماليزية، فهبط قيمة عملتها إلى النصف في غضون ساعات.
[2] صحيح البخاري، الحديث رقم 853، وصحيح مسلم الحديث رقم 1829.