المعجزات التي ظهرت على يديه صلى الله عليه وسلم

طرق الاستدلال على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم (3)

 

شارك في التأليف الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي

من الطرق التي يستدل بها على صدق الأنبياء جميعاً ظهور المعجزات على أيديهم، فما من نبي أرسله الله سبحانه وتعالى إلى قوم إلا آتاه معجزة أو معجزات تدل على صدقه أنه مرسل من الله، يبلغهم الهدايات التي أوحى الله بها إليه ليبلغهم إياها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحياً أوحى الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة”[1].

فما هي المعجزة وكيف يستدل بها على صدق الرسول؟

• تعريف المعجزة:

المعجزة: أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، سالم من المعارضة، يظهره الله على يد رسله[2].

أضواء على التعريف: جاء التعبير بأمر ليشمل:

أ‌- القول: مثل كلام عيسى عليه السلام في المهد.

ب‌- الفعل: مثل ضرب موسى البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم.

ج‌- الترك: مثل ترك حرق النار لإبراهيم عليه السلام، وعدم قطع السكين رقبة إسماعيل عليه السلام.

• والمراد بـ(خارق للعادة):

أن المعجزة من الأمور الخارقة للسنة الكونية، وليست خارقة للعقل، فإن الله سبحانه وتعالى وضع ناموساً للكون يجري بحسبه وفق أنظمة وقوانين معينة، وإذا شاء أن يغيرها فلا يعجزه شيء، فمثلاً جرت سنته تعالى أن يولد الولد من أبوين ولكن إذا شاء أن يوجد الإنسان من غير أبوين كما خلق آدم، أو أن يخلقه من غير أم كما خلق حواء، أو يخلقه من غير أب كعيسى بن مريم، فله ذلك فإنما إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون.

• والمقصود بـ(مقرون بالتحدي):

لا بد أن يعلنها الرسول، ويقول: إن دليل صدقي أن الله تعالى يظهر علي يدي هذا الشيء وأنتم تعجزون عنه، أو يطلب القوم منه الآية (المعجزة) فيظهرها في مقام التحدي ويعجزون عنها ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ﴾ [طه: 65-70]. وذلك لأن الرسول إن لم يتحد بها، فلربما زعموا فيما بعد أنهم لو تحدوا بها لأتوا بمثلها.

• أما (سالم من المعارضة).

• فحتى يتحقق المقصود من المعجزة، أن يعجز القوم عن الإتيان بمثلها، لأنهم لو أتوا بمثل بمعجزة الرسول بطلت المزية له ولم تبق له خصوصية، وصاروا مثله في الدليل والبرهان، فلا تدل على تفرده وتصديقه.

• ومعنى (يظهره الله على يد رسله).

• أن يستدل بها الذي ظهرت على يديه أنه مرسل من الله سبحانه وتعالى: وذلك للتفريق بينها وبين ما يظهره الله على يد أتباع الأنبياء وهي ما تسمى بـ(الكرامة) كما ورد عن مريم عليها السلام: ﴿ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 37].

• وكذلك التفريق بينها وبين ما يظهر على النبي قبل البعثة التي تسمى (إرهاصاً). فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن”[3].

• وكذلك التفريق بينها وبين (الإهانة)، وهي الخارقة التي تظهر على يد مدعي النبوة بعكس مراده، كما قيل عن مسيلمة الكذاب: إنه عندما سمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على الطعام القليل فيكثر، ويمسح على المريض فيشفى، فحاول مسيلمة الكذاب ذلك فمسح على مريض فمات، وبصق في بئر قليل ماؤه فغار الماء، ففي ذلك إبراز لكذب مدعي النبوة الكاذب، فإن الله لا يؤيد كاذباً على كذبه، لئلا يلتبس أمره بأمر النبي الصادق، ولا يقال: إن الله يؤيد الدجال بخوارق، كما ورد في أحاديث الدجال، فإن الدجال يدعي الألوهية، وكل عاقل يدرك كذب الدجال في ادعاء الألوهية، أما مدعي النبوة الكاذب فالعقل لا يدرك كذبه، لأن ظاهر النبي الصادق مثل سائر البشر ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ… ﴾ [الكهف: 110]، وإنما يعرف صدقه بظهور المعجزة على يديه، فلو ظهرت على يد مدعي النبوة الكاذب لالتبس الأمر على الناس[4].

وقد ظهرت معجزات كثيرة على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسها معجزة القرآن الكريم – وتقدم الحديث عن وجوه إعجازه – ومعجزات مادية كثيرة منها:

معجزة انشقاق القمر ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ﴾ [القمر: 1-2].

ومعجزة الإسراء كما جاءت في قوله تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1].

ومعجزات كثيرة ورد ذكرها في السنة النبوية مثل: نبع الماء بين أصابعه الشريفة وحنين الجذع إليه وتكثير الطعام القليل ببركة دعائه، وكفايته للعدد الكبير من الناس[5]، إن كل عاقل منصف يدرس بموضوعية وتجرد هذه الخوارق التي ظهرت على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقلت إلينا نقلاً صحيحاً، لا يسعه إلا التسليم بصدقه، وأنه مرسل من رب العالمين.


[1] متفق عليه، البخاري، رقم (6846) 6/ 2654، واللفظ لمسلم رقم (152)، باب وجوب الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، 1/ 134.

[2] انظر التعريف في الإتقان للسيوطي، 4/ 3، وقريباً منه ما ورد في مناهل العرفان للزرقاني 1/ 66، نقلاً عن مباحث في علوم القرآن 18.

[3] صحيح مسلم رقم (2277) كتاب الفضائل 4/ 1782. ومسند الإمام أحمد 5/ 95، من حديث جابر بن سمرة.

[4] أما الكهانة والعرافة والسحر وغيرها من الأعمال التي يأتي بها الكفار والفسقة من الناس، فليست خوارق وإنما هي علوم يتعلمها الناس، وقد يستخدم فيها بعض الوسائل الخفية والرياضيات الروحية، وكل من تلقى على يد شياطينهم من الإنس والجن، تعلم هذه الصنعة ومارسها لأنها نتيجة علوم وأسباب خاصة بها، أما الخارقة فهي منحة من الله ولا يمكن تلقيها أو تعلمها ولا تعتمد على أسباب مطلقاً.

[5] انظر هذه المعجزات وغيرها في كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض. باب معجزاته صلى الله عليه وسلم 1/ 164.