شارك في التأليف: الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي
الإيمان بالكتب من أركان العقيدة الإسلامية:
الإيمان بالكتب السماوية المنزلة من عند الله عز وجل إلى أنبيائه ورسله ثابت بالقرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع، يقول تعالى: ﴿ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ﴾ [البقرة: 285]، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله…» فجعل الإيمان بالكتب بعد الإيمان بالملائكة وقبل الإيمان بالرسل.
الإيمان بالكتب إجمالاً:
يجب الإيمان إجمالاً بكل الكتب السماوية التي أنزلها الله على الأنبياء والرسل سواء سماها الله وذكرها في القرآن، أو لم يذكرها، حيث يقول تعالى: ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيه… ﴾ [البقرة: 213]، ويقول سبحانه: ﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴾ [آل عمران: 184]، ومعنى ذلك أن الأنبياء والرسل السابقين أنزل الله عليهم الكتب مبشرين بها ومنذرين للناس.
الإيمان بالكتب تفصيلاً:
وأما الكتب والصحف التي وردت أسماؤها في القرآن الكريم والسنة النبوية، فيجب الإيمان بها تفصيلاً وهي كما يلي:
1- صحف إبراهيم وموسى: يقول تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴾ [الأعلى: 18-19]، ويقول سبحانه: ﴿ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾ [النجم: 36-37].
2- التوراة: وهي الكتاب السماوي المنزل على نبي الله موسى عليه السلام حيث تلقاها من الله عز وجل بعد أن كتبها له بيده، يقول تعالى: ﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 145]، ويقول سبحانه ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ ﴾ [المائدة: 44]، وهي تختلف عما يسمى بالأسفار الخمسة: [سفر التكوين، سفر الخروج، سفر اللاوين، سفر التثنية، سفر العدد]، والتي يزعم اليهود أنها أسفار موسى الخمسة، رغم أن أحبارهم هم الذين كتبوها بأيديهم، وحرفوا التوراة الأصلية، وأخفوا كثيراً منها، فخلطوا الحق بالباطل[1].
3- الزبور: وهو ما أنزل على النبي داود عليه السلام يقول تعالى ﴿ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً ﴾ [الإسراء: 55]، ويختلف عما يعرف في أسفار اليهود بـ(المزامير)[2].
4- الإنجيل: وهو الكتاب الذي أنزله الله عز وجل على عيسى بن مريم عليهما السلام يقول تعالى: ﴿ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 46].
وهو يختلف تماماً عما يعرف عند النصارى في العهد الجديد بالأناجيل الأربعة: [إنجيل متى – إنجيل لوقا – إنجيل مرقس – إنجيل يوحنا].
5- القرآن الكريم: وهو آخر الكتب السماوية، أنزله الله على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وتعهد سبحانه وتعالى بحفظه فقال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].
لذلك فقد جعله متضمناً لخلاصة التعاليم الإلهية التي تضمنتها الكتب السابقة، ومؤيداً ومصدقاً لما جاء فيها من توحيد الله وعبادته، وجامعاً لما تفرق فيها من مكارم الأخلاق والفضائل يقول تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ﴾ [المائدة: 48]، ومعنى أنه مهيمن على ما سبقه من الكتب: رقيب عليها وحافظ، فهو يحكم عليها ويقر ما فيها من حق، ويبين ما طرأ عليها من تحريف وتصحيف وتغيير، وما وافقه منها فهو الحق، وما خالفه منها فهو الباطل[3].
الوحي وأنواعه:
قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً ﴾ [النساء: 163].
والذي يحمل الكتب والوحي الإلهي إلى الأنبياء والمرسلين، هو أمين الوحي جبريل عليه السلام قال تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 192-195]، فما معنى الوحي؟ وما أنواعه؟
يطلق على الإعلام بالشيء سراً، ولذلك كانت الكتابة والإشارة والرمز والكلام الخفي، كل ذلك يسمى وحياً، ومنه قوله تعالى حكاية عن زكريا عليه السلام: ﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً ﴾ [مريم: 11]، وهو بهذا المعنى اللغوي لا يختص بالأنبياء، ولا بكونه من عند الله سبحانه وتعالى.
الوحي في الاصطلاح (عند أهل العلم الشرعي): هو التعليم الصادر من الله تعالى الوارد إلى الأنبياء عليهم السلام: أو هو إعلام الله أنبياءه ورسله بما يريد أن يبلغه من شرع أو كتاب بواسطة أو بغير واسطة[4].
فهو بذلك المعنى الشرعي أخص من المعنى اللغوي بخصوص مصدره ومورده، فمصدره من الله تعالى، ومورده هم الأنبياء والمرسلون صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
أنواع الوحي:
يقول تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ [الشورى: 51].
اشتملت هذه الآية على أربعة أنواع من الوحي إلى الأنبياء والمرسلين وهي:
النوع الأول: الإلهام وهو مأخوذ من قوله تعالى: ﴿ إِلَّا وَحْياً ﴾ فالوحي بمعنى القذف في القلب والنفث في الروع.
النوع الثاني: الرؤيا في المنام وهو مأخوذ أيضاً من قوله تعالى: ﴿ إِلَّا وَحْياً ﴾ فالوحي هنا بمعنى الإلهام يقظة أو مناماً، (فإن رؤيا الأنبياء وحي)[5].
النوع الثالث: التكليم بلا واسطة، وهذا النوع مأخوذ من قوله تعالى: ﴿ أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾، أي يكلم الله عز وجل نبيه بلا واسطة، واشتهر به الكليم موسى عليه السلام وأثبته القرآن في قوله تعالى: ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً ﴾ [النساء: 164]، وقد وقع هذا النوع من الوحي أيضاً لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج ﴿ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾ [النجم: 7-10].
النوع الرابع: الوحي بواسطة الملك، وهذا النوع مأخوذ من قوله تعالى: ﴿ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ [الشورى: 51]، فالمقصود بالرسول هنا جبريل عليه السلام وهذا النوع من الوحي هو الغالب في الإيحاء إلى الأنبياء و الرسل، ويقع على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: حيث يشاهد النبي الملك عند نزول الوحي بصورته الحقيقية، وهذا نادر، فقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام على صورته الحقيقية مرتين: بعد أن فتر الوحي، وليلة المعراج.
الوجه الثاني: أن يتمثل جبريل عليه السلام في صورة بشر، كما نزل على الخليل عليه السلام في قصة ضيف إبراهيم، وكما ظهر للسيدة مريم ﴿ فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً ﴾ [مريم: 17].
الوجه الثالث: أن لا يرى النبي الملك ولكنه يسمع عند قدومه صلصلة شديدة كصلصلة الجرس، وعند ذلك تعتري النبي صلى الله عليه وسلم حالة روحية غير عادية يتحول فيها من حالته البشرية الخالصة إلى حالة يحصل فيها استعداد للتلقي عن الملك، ولا يدرك الحاضرون منها إلا أماراتها الظاهرة: من ثقل بدنه، وتفصد جبينه عرقاً، وربما سمعوا عند وجهه الكريم دوياً كدوي النحل، وهذا أشد أنواع الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم، (عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول، قالت عائشة رضي الله عنها: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقاً)[6]. والقرآن الكريم كله نزل بواسطة جبريل عليه السلام ولم يكن في صورة بشر عند نزوله بالقرآن بل كان مثل صلصلة الجرس.
نسأل الله تعالى أن ينفعنا بالقرآن ويرزقنا تدبره والعمل به في الدنيا، وشفاعته يوم القيامة.
كتاب الثقافة الإسلامية