الإيمان بالرسل جميعا
شارك في التأليف: الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي.
إن الإيمان بالرسل جميعاً من أركان الإيمان، قال تعالى: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285].
ويجب الإيمان بمن ذكر اسمه صراحة في القرآن، وهم خمسة وعشرون رسولاً نبياً[1]، ويجب الإيمان بمن لم يذكر اسمه صراحة على الإجمال؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يذكر لنا أسماءهم جميعاً، يقول عز من قائل: ﴿ وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ… ﴾ [النساء: 164].
ولما جرت سنة الله تعالى في الأمم أن يبعث في كل قوم رسولاً؛ ليبلغهم رسالات ربهم ويقيم الحجة عليهم، قال تعالى: ﴿ … وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ ﴾ [فاطر: 24]، لذا كثرت أعدادهم كثرة هائلة، ففي حديث أبي ذر قال: (قلت: يا رسول الله، كم المرسلون؟ قال: ثلاثمئة وبضعة عشر جماً غفيراً… وقال مرة خمسة عشر)، وفي رواية أخرى (قال أبو ذر: قلت يا نبي الله، كم عدة الأنبياء؟ قال: مئة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، الرسل من ذلك ثلاثمئة وخمسة عشر جماً غفيراً)[2].
والكفر بواحد منهم كفر بهم جميعاً، لأنه تكذيب للقرآن الكريم، يقول جل جلاله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [النساء: 150-151].
أولو العزم من الرسل:
وصف القرآن الكريم بعض الرسل بأولي العزم كما في قوله: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الأحقاف: 35]، وذهب جمهور المفسرين إلى أن المراد بهم الذين ذكروا في قوله تعالى: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾ [الشورى: 13]، وهم حسب التسلسل الزمني، في بعثتهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً.
وسبب وصفهم بأولي العزم لأنهم أصحاب الشرائع والكتب، قاله مجاهد[3]، وقال الألوسي: هم مشاهير أرباب الشرائع، وأخرج البزار عن أبي هريرة: أنهم خيار ولد آدم عليهم الصلاة والسلام[4].
وقال الجلال السيوطي هم الخمسة، وأخرج ذلك ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس، ونظمه بعضهم:
أولو العزم نوح والخليل الممجدُ ** وموسى وعيسى والحبيب محمدُ[5]
[1] الرسل والأنبياء الذين ذكروا في القرآن الكريم هم: آدم، نوح، هود، صالح، إبراهيم، إسماعيل، إدريس، ذو الكفل، إلياس، اليسع، يونس، لوط، أيوب، إسحاق، يعقوب، يوسف، موسى، هارون، شعيب، داود، سليمان، زكريا، يحيى، عيسى، محمد صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً، منهم أربعة أرسلوا إلى العرب هم: هود، صالح، شعيب، محمد صلوات الله عليهم وسلامه، رواه ابن حبان في صحيحه.
[2] رواه الإمام أحمد في المسند، رقم الحديث (21586) مسند أبي ذر الغفاري.
[3] انظر الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي 16 /220.
[4] انظر تفسير الألوسي المسمى (روح المعاني) 11 /154، مجمع الزوائد 8 /255.
[5] المرجع السابق، 13 /35.