نماذج سيئة لم ينفعها القرب من الصالحين
النماذج السيئة التي لم ينفعها القرب من الصالحين
من خلال سورة التحريم
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴾ [التحريم: 10].
المناسبة بين هذا المقطع وسابقه:
بعد التهديد والوعيد للكفار والمنافقين ربما توهم بعض الكفار الذين كانت لهم قرابة بالمسلمين أنها تنفعهم، كما كان لبعض المسلمين قرابة بالكفار، وربما توهموا أنها تضرهم، ضرب لكلٍ مثلاً.
أي مثل الله حالهم في أنهم يعاقبون لكفرهم ولا يحابون لقرابتهم.
فبعض الكفار اتصلوا بالنبي – صلى الله عليه وسلم – ولم ينفعهم الاتصال بدون الإيمان، والمرأتان كذلك فكانت حالتهما داعية إلى الخير والصلاح، ولكنهما خانتا زوجيهما بعدم الإيمان بهما وبما جاءا به من عند الله مع تحقق ما ينفيها من صحبة النبي فهو تصوير لحالهما المحاكية لحال هؤلاء الكفرة في خيانتهم رسول الله بالكفر والعصيان مع تمكنهم من الإيمان والطاعة[1].
ومن المناسبات اللطيفة بين هذا المقطع ومحور السورة الذي يدور حول تربية الأسرة – وقوامها الزوجة والأولاد – أنه تعريض بأمي المؤمنين اللتين تظاهرتا على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ففي ذكر امرأة نوح وامرأة لوط وعدم نفع القرب والصلة بينهما وبين زوجيهما تعريض بهما وتحذير لهما من خاطر الاغترار بغناء الصلة الشريفة عنهما في الوفاء بحق ما يجب من الإخلاص للنبي – صلى الله عليه وسلم – ليكون الشبه في التمثيل أقوى.
فعن مقاتل: يقول الله سبحانه وتعالى لعائشة وحفصة لا تكونا بمنزلة امرأة نوح وامرأة لوط في المعصية وكونا بمنزلة امرأة فرعون ومريم.
فالله يحقق وعيده ولا يمنعه من ذلك أنها زوجة نبي[2].
نماذج سيئة لم ينفعها قربها من الصالحين:
إن المرأة مكمن سر الرجل في رفيقة الحياة، إليها يعود الرجل بعد تعب النهار ليجد عندها الراحة النفسية ويتخلى عند عتبة الباب هموم العمل ويلقى في زوجه الترحاب والسلوان.
ومهما كان عند الزوج من خصوصيات يحاول إخفاءها عن الناس جميعًا فلن يستطيع إخفاءها دائمًا عن زوجته، بل كثيرًا ما يضيق صدره عن سر يحمله فيريد إيداعه عند شخص أمين، فلا يجد أولى من زوجته لإيداعها السر، كما أن هنالك أمورًا لا يستطيع المرء القيام بها إلا في بيته ومع خواصه من الناس والزوجة من أخص الخواص للرجل.
لذا كانت الزوجة الصالحة الصادقة الأمينة الكاتمة للسر من العوامل الهامة في حياة الدعاة والمتعرضين للقضايا العامة للناس.
لقد تمكن أعداء الإسلام في كثير من أقطار المسلمين من ضرب الحركات الإسلامية عن طريق النساء، بل من الأسلحة الفتاكة في حروب الدول تجنيد النساء في سلك المخابرات والجاسوسية وخاصة نساء الساسة والقادة العسكريين، ومن بيدهم اتخاذ القرارات الخطيرة في شؤون الدولة ومن المعلوم أن كثيرًا من قوانين الدول تمنع من زواج بعض القادة والسياسيين وأهل السلك الدبلوماسي من الزواج بالأجنبيات، وكل ذلك استشعار بخطورة دور المرأة في حياة الرجل واطلاعها على خصوصياته وأسراره سواء ما يتعلق منها بحياته الخاصة أو بعمله.
إن القصص التي تروى في حياة الشعوب ومجريات الأحداث التي تغير وجه التاريخ ربما تبدأ مسيرتها من حديث عابر ثرثرت به امرأة مع زميلتها أو جارتها وربما كان آلاف الضحايا والأموال الطائلة أرهقت كاهل دولة نتيجة همسات عابرة تسربت إلى أعدائها عبر إذن زوجة أو سكرتيرة لأحد مسئوليها.
كما أن لها دورًا كبيرًا في التأثير على حياة العائلة عامة وترك بصماتها الواضحة في طبائع الأبناء والبنات بل تكاد المنفردة في التربية الخلقية والنفسية للأولاد.
والآيات الكريمة بين أيدينا تسوق نموذجًا من النساء زوجتان كانتا تحت نبيين من أنبياء الله تعالى أي كانت القيادة الفكرية والاجتماعية بأيديهما وهما المسؤولان عن الدعوة وشؤونها.
برز تأثير إحداهما – امرأة نوح – على أهل النبي فكانت سببًا في إضلال أحد أبنائه، حيث كانت تشوه صورة نوح عليه السلام في عين ابنه والابن ينظر إلى أبيه على أنه قدوته المثلى ويقلده في كل شؤونه، وهو ينظر غالبًا إلى ذاك المثل من خلال نظرة أمه.
كانت امرأة نوح عليه السلام تقول عن نوح – كما ورد عن ابن عباس – إنه ساحر ومجنون.
فنشأ ولده وبعد أن بلغ مبلغ الرجال كان هذا الانطباع في ذهنه، ولما وقعت واقعة الطوفان انكشفت ثمرة تربية امرأة نوح على ابنها:
﴿ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ * وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [هود: 42 – 46].
والمرأة الأخرى – امرأة لوط – ظهر آثار صنيعها على القوم المدعوين، فإن اجتمع لوط عليه السلام بأحد من المدعوين، أو طرقه ضيف في خفية من الناس أعلمت قومها الكفرة بذلك بعلامات اتفقت عليها مسبقًا معهم فكان أن أرسل الله سبحانه وتعالى عليهم حجارة من سجيل وكان مصيرها مصير قومها الذين تمالأت معهم.
﴿ قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ﴾ [هود: 81].
﴿ قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ * رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ * فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ ﴾ [الشعراء: 168 – 173].
ومن المهم أن نعرف أن خيانة الامرأتين لم تكن خيانة زنا وإنما خيانة في الدعوة والعقيدة.
قال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما، فكانت امرأة نوح تطلع على سر نوح، فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به، وأما امرأة لوط فكانت إذا أضاف لوط أحدًا أخبرت به أهل المدينة ممن يعمل السوء.
ونساء الأنبياء معصومات عن الفاحشة لعصمة الأنبياء وحرمتهم.
عن سفيان عن ابن عباس: في تفسير قوله ﴿ فَخَانَتَاهُمَا ﴾ قال: ما زنتا أما خيانة امرأة نوح فكانت تخبر أنه مجنون، وأما خيانة امرأة لوط فكانت تدل قومها على أضيافه[3].
ولا يقال كيف يصح الزواج بكافرة على غير دين الزوج، فإن في شريعتنا جواز التزوج بالكتابيات وهن كافرات ومصيرهن إلى النار في عقيدتنا إن متن على ملة النصرانية أو اليهودية.