العولمة دورة تاريخية ستمضي كما مضى غيرها
شارك في التأليف: الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي.
إن لكل خطر وسيلة خاصة لدرئه والوقاية منه، وبما أن أهم أخطار العولمة تبرز من خلال مجالاتها: الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية، فإننا نستعرض أهم الخطوات التي ينبغي أن تتخذ لدرء تلك الأخطار في كل مجال:
إن الذين قالوا إن العولمة حتمية تاريخية لا بد من الرضوخ لها والأخذ بها على علاتها بعجرها وبجرها، حكموا على أنفسهم بالهزيمة والاستسلام والذوبان، وفتحوا الباب على مصراعيه أمام أعداء الأمة للقضاء عليها ومَحقها من الوجود، وهذا ما لا يرضاه الله ورسوله والمؤمنون.
والذين بدؤوا بالاستجابة لضغوط العالم الغربي في التغيير والتبديل في ثقافة الأمة وثوابتها، ومنطلقاتهم في ذلك الانحناء للعاصفة الهوجاء حتى لا تقتلعهم، هؤلاء يقطعون جذورهم عن الأمة، ويوسعون الهوة بينهم وبين مصالح أمتهم وشعوبهم وينطبق عليهم قول الله تعالى: ﴿ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ﴾ [المائدة: 52].
والذين يقفون في وجه العولمة من غير أن يأخذوا استعدادهم، ويستخدموا الوسائل المكافئة في العلوم والتكنولوجيا الحديثة، ويستنهضوا الأمة للوقوف وراءهم، ويجعلوا ثوابت الأمة منطلقاتهم، والدفاع عن مصالح الأمة شعارهم، إن لم يفعلوا ذلك يكون كمن يدخل سباقاً على الخيل مع الطائرة والصاروخ أو يدخل مجابهة بالأسلحة البيضاء مع حاملي القذائف الصاروخية والرشاشات.
إننا لا نشك أن قوة الله لا تغلبها قوة، وأنه يقول للشيء كن فيكون، ولكن الله سبحانه وتعالى أمر باتخاذ الأسباب فقال: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 60]، «إن الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها فهو أحق بها»[1] كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخدام التكنولوجيا الحديثة وسائل لا بد من الأخذ بها والاستفادة منها، وخاصة التكنولوجيا المصبوغة بالصبغة العلمية الفنية البحتة، واستخدامها في مجالات الاتصالات والمواصلات ونقل المعلومات والإعلام وغيرها من المجالات.
وأخيرا ًنقول إن العولمة ليست حتمية تاريخية لا تقاوم، كما زعم (صامئيل هنتغتون)، بل نعتقد أن العولمة ليست القوة التي ستكتسح وتدمر كل من يعترضها لتنفرد قوة عظمى بمصير العالم.
إنها دورة تاريخية ستمضي كما مضى غيرها ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 140-141].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
[1] رواه الترمذي، الحديث رقم (2687)، وابن ماجه رقم الحديث (4169).