عداوة اليهود للإنسانية عامة وللمؤمنين خاصة
المعالم القرآنية لسنن الله القدرية في اليهود (7)
المَعْلَم السابع: عداوة اليهود للإنسانية عامة وللمؤمنين خاصة
﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴾ [المائدة: 82].
قد يتساءل المرء لماذا يعادي اليهود المؤمنين هذه العداوة التي يصفها القرآن الكريم بالشديدة بل تأتي بصيغة أفعل الدالة على الإيغال في هذه العداوة.
• فهل هو الحسد الذي أشار إليه القرآن الكريم.
﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 109].
إذ كان اليهود يتطلعون أن يكون النبي الخاتم منهم، فلما ظهر النبي من العرب أضمروا له عداوة الدهر[1]، على الرغم من تحققهم من صدقه بما كان لديهم من العلامات الخَلقية والخُلقية والأوصاف التي ذكرها كتابهم عن أمته ورسالته.
وهم بذلك يسيئون الأدب مع الله سبحانه وتعالى الذي بيده الملك يؤتيه من يشاء من عباده، والله أعلم حيث يجعل رسالته.
﴿ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا * أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا * فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 53 – 55].
• أو هو استعصاء هذه الأمة على التطويع لمخططات الأعداء واحتفاظها بمقوماتها الخاصة المستمدة من كتاب ربها المنزل، وتكريم الله سبحانه وتعالى لها بهذه الرسالة الخالدة والكتاب المعجز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وكلما فترت النفوس عن التمسك بشرائع الله وانصرفت عنه بعث الله لها مجددين من أبنائها على رأس كل قرن، فكان التجديد وكان الانبعاث وكان الالتزام بشرائع الله[2].
لذا فإن نجاح اليهود في العالم الإسلامي محدود سواء كان على المستوى الثقافي أو المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الإعلامي. ففي غفلة من الأمة تتمكن في جانب من الجوانب ولكن سرعان ما يكون الانبعاث ويكون التجديد. ولم تستعص أمة من الأمم على اليهود كأمة الإسلام حيث حرّف اليهود كل الشرائع والأديان الوضعية والسماوية ما عدا الإسلام. فكانت محاولاتهم المستمرة التي لا تنقطع.
لقد استمرت محاولات اليهود لتطويع القيادات الإسلامية لمخططاتها بشتى الوسائل بدءاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم:
• فقد جاء بعض زعمائهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا يا محمد نحن سادة يهود وزعماؤها وإن اتبعناك اتبعنا سائر اليهود، وإن بيننا وبين قومنا خصومة فإن قضيت لنا آمنا بك، فجاء الرد الإلهي الصارم ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾[3] [المائدة: 49 – 50].
• وبعد فتح خيبر وإبقاء الرسول صلى الله عليه وسلم اليهود فيها لزراعتها مناصفة بينهم وبين المسلمين على أن يكون للمسلمين إجلاؤهم منها متى شاؤوا، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل بعض الصحابة لتخريص التمر عند بدو صلاحه، فأرسل في إحدى السنوات عبدالله بن رواحة رضي الله عنه للقيام بالمهمة فجاءت اليهود تحاول رشوته فقال لهم مقولته المشهورة يا معشر اليهود: والله إنكم أبغض خلق الله إليّ وإن رسول الله وأصحابه أحب خلق الله إليَّ ولا يحملني ذلك على ظلمكم… فقالوا على مثل هذا – أي العدل – قامت السماوات والأرض[4].
• وفي خلافة علي بن أبي طالب دس عبدالله بن سبأ اليهودي بعض أتباعه ليقولوا عن عليّ أن الله سبحانه وتعالى حلّ فيه وأنه الإله، ودس فرقة أخرى منهم ليقولوا إن أمين الوحي (جبريل) خان الأمانة وبدل أن يوحي إلى عليّ أوحى إلى محمد.
وفرقة ثالثة تقول: إن منزلة علي من محمد منزلة هارون من موسى فهو خليفته على أمته إذا غاب عنهم[5].
ولكن إيمان المؤمنين عامة وإيمان علي بن أبي طالب خاصة ما كان ليلتبس عليهم مثل هذه الفتنة لأن مقاييس الشريعة المحكمة كانت توزن بها المبادئ والأفكار وكانت غايتهم الحصول على رضوان الله تعالى، وما كانت الدنيا وما فيها لتزحزحهم عن التمسك بحقائق الإسلام قيد شعرة، فقاوموا هذه الدسائس والفتن أشد مقاومة، وكان لعلي رضي الله عنه مواقف شديدة مع هؤلاء حتى نبهه بعض الصحابة على ذلك وأن يقيم عليهم حكم الردة وأن يترك حرقهم بالنار كما أراد وعزم، فقضي على الفتنة في مهدها لأنها لم تجد آذاناً صاغية ولا قلوباً تتشربها. وخسيء دهاقين الفتنة في عاصمة الخلافة فخرجوا إلى الأقطار البعيدة ليروجوا لبعض هذه المبادئ.
• وكانت محاولات اليهود مع سلاطين آل عثمان المسلمين للسماح لهم بالهجرة إلى أرض فلسطين والاستيطان فيها كان ذلك مع السلطان عبدالمجيد خان، فأصدر السلطان أمراً بمنع اليهود القادمين لزيارة بيت المقدس من الإقامة في القدس أكثر من ثلاثة أشهر[6].
وتكررت المحاولة مع السلطان عبدالحميد الثاني[7] وجاءت الوعود اليهودية بسداد جميع الديون المستحقة على الدولة العثمانية وبناء أسطول لحماية الإمبراطورية، وتقديم قرض بخمسة وثلاثين مليون ليرة ذهبية دون فائدة لإنعاش مالية الدولة وإنماء مزارعها، وإنشاء جامعة استانبول حتى لا يحتاج الطلبة الأتراك إلى السفر إلى أوربا فيتعرضوا لتأثير الأفكار الديمقراطية الضارة… مقابل السماح بدخول اليهود إلى فلسطين، بقصد زيارة الأماكن المقدسة وإنشاء مستعمرة قرب القدس. فكان أن أجابههم السلطان عبدالحميد الثاني بالرفض التام والتحقير والتوبيخ لمن حمل هذه العروض إليه. لم يجد اليهود أمامهم سوى وسائلهم المعهودة بالتآمر في الخفاء لتقويض أركان الدولة العثمانية عن طريق صنائعها، وعملائها.
إن الثوابت في دين الإسلام، والطائفة المتمسكة بشرع الله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم والتي يقول عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى تقوم الساعة”[8] قد أفسدت على اليهود مخططاتهم في إفساد أمر المسلمين بتحريف شرائع الله عن حقائقها وصرف أمة الإسلام بطمس معالم مسيرتها، استعصى عليهم ذلك فأضمروا لهم العداوة الشديدة والمكايد المستمرة.
وهذا الذي بينه القرآن الكريم لأمة الإسلام ليكونوا على حذر من مكائدهم يقول جل جلاله: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة: 120].
إن من يوهم أن يهود اليوم غير يهود الأمس وأن المفاهيم قد تطورت لديهم ويمكن المعايشة معهم، إنما يسعون خلف السراب.
ولا يمكن أن يتصور ذلك من اليهود إلا إذا تخلوا عن يهوديتهم واعتقدوا ديانة أخرى كأن يصبحوا مسلمين وهذا مستحيل عندهم، أو يتخلى المسلمون عن إسلامهم ويدخلوا اليهودية وهذا مستحيل أيضاً لأن الطائفة المنصورة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا تنقطع ولا يخلو منها جيل من الأجيال.
أو أن يسود مبدأ جديد بعيد عن اليهودية والإسلام ويعتنقه أهل المنطقة وهذا أيضاً مستحيل لأن أتباع كلتا الديانتين متمسكان بديانتهم.
يدل على ما قدمنا أقوال زعماء اليهود قديماً وحديثاً.
“فقد قال حيي بن أخطب قديماً[9] عندما قال له أخوه أبو ياسر: أهو؟ قال: نعم والله، قال تعرفه بنعته وصفته؟ قال: نعم والله قال: فماذا في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بقيت”.
وقال بن غوريون[10]:
عام 1953 عندما سئِل عن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم: (إن عقارب الساعة لا يمكن أن ترجع إلى الوراء والحل العادل هو إسكان الفلسطينيين في الدول المجاورة…).
ويقول أيضاً:
(نحن لا نخشى الاشتراكيات ولا الثوريات، ولا الديمقراطيات في المنطقة، نحن فقط نخشى الإسلام، هذا المارد الذي نام طويلاً وبدأ يتململ).
قال شامير في حفل استقبال اليهود السوفييت المهاجرين إلى إسرائيل[11]:
(إن إسرائيل الكبرى من البحر إلى النهر هي عقيدتي وحلمي شخصياً… وبدون هذا الكيان لن تكتمل الهجرة ولا الصعود إلى أرض الميعاد ولن يتحقق أمر الإسرائيليين ولا سلامتهم).
وقال مناحيم بيجن[12]:
(أنتم أيها الإسرائيليون لا يجب أن تشعروا بالشفقة حتى تقضوا على عدوكم ولا عطف ولا رثاء حتى تنتهوا من إبادة ما يسمى بالحضارة الإسلامية التي سنبني على أنقاضها حضارتنا).
كل ذلك يدل بوضوح على أن العداوة ستستمر، وأن الصراع ماض إلى أن تقع الملحمة الكبرى بين المسلمين واليهود ويكون فسطاط دولة الإسلام في بلاد الشام ويكون ملك بني إسرائيل في فلسطين، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق ولنا وقفة طويلة مع النصوص الكريمة التي تحدد معالم الصراع في المستقبل – إن شاء الله تعالى -.
——————————————————————————————————-
[1] انظر ما تقدم ص81 من الكتاب.
[2]انظر حديث المجددين لهذه الأمة وتخريجه ص7.
[3]انظر تفسير ابن كثير جـ2/67.
[4]انظر السيرة الحلبية 3/378.
[5] انظر هذه الأقوال في الملل والنحل للشهرستاني: جـ1.
والقول الأول قالت به: السبائية – المرجع السابق ص204.
والقول الثاني قالت به: العلبائية وتسمى الذميمة – المرجع السابق ص206.
والقول الثالث: قالت به الجعفرية – المرجع السابق.
[6] انظر كتاب الأفعى اليهودية ص32 وما بعدها.
[7]انظر كتاب اليهود تاريخ وعقيدة ص75 وما بعدها.
[8]رواه البخاري في كتاب التوحيد 8/189.
[9] انظر ما تقدم ص86.
[10]انظر معركة الوجود بين القرآن والتلمود: ص14، وانظر قادة الغرب يقولون: ص61.
[11] انظر معركة الوجود بين القرآن والتلمود: ص14.
[12]انظر كتاب صراعنا مع اليهود: ص59 لمحمد إبراهيم ماضي.