تلخيص للشبهات المثارة للطعن في الإسلام
شارك في التأليف: الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي.
في سبيل تحقيق الهدف الذي وضعه “الغزاة” نصب أعينهم تعاونت أطراف عديدة من سياسيين واقتصاديين ومنصرين ومستشرقين، وتلاقت دول الاستعمار المتنافسة رغم ما بينها من اختلاف، وتصارع في كل الميادين، إلا ميدان الكيد للإسلام، بل تناست الطوائف النصرانية من كاثوليك، وأرثوذوكس، وبروتستانت – ما بينها من خلافات عقدية، وتجمعوا فيما بينهم في مواجهة المسلمين[1].
ومن أجل ذلك قام المنصرون، ومعهم المستشرقون، ويساندهم المستعمرون بإثارة الشبهات، والمطاعن في الإسلام، ولا شك أن كلا ًمن التنصير والاستشراق يحتاج إلى مجلد خاص، ولكن المقام يقتضي أن نشير في اختصار إلى شبهات المستشرقين وطعنهم في الإسلام.
شبهات المستشرقين ومطاعنهم:
تعددت أهداف المستشرقين وتنوعت أساليبهم ووسائلهم، حيث سلكوا طرقاً عديدة في الوصول إلى أغراضهم منها التدريس الجامعي وجمع المخطوطات العربية، والتحقيق والنشر والترجمة، بالإضافة إلى الاشتراك في المجمعات اللغوية والمجامع العلمية في العالم الإسلامي، ولكن أخطر وسائلهم على الإطلاق كانت هي التأليف، حيث ألفوا كثيراً من الكتب التي تطعن في الإسلام، بجانب ما قاموا به من تأليف دائرة المعارف الإسلامية، والتي امتلأت بالأباطيل، وبالرغم مما تميزت به مؤلفاتهم ودراساتهم بالصبر والجلد، إلا أنها احتوت على أخطاء جسيمة عمداً أو جهلاً، ولم يقصدوا بها في الغالب خدمة العلم والفكر، وإنما كانت في جملتها خدمة مباشرة للدول الاستعمارية، والمؤسسات التنصيرية، بغرض تطويق الإسلام والقضاء عليه.
ولذلك فإنها حفلت بضروب التشكيك والنقد الجائر، وانطلقت منها الشبهات المدروسة واحدة تلو الأخرى، طعناً في كل نواحي الإسلام بدءاً بالقرآن العظيم ذاتهن وانتهاءً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ورواتها وما بين ذلك ثم اتهام للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وطمس لكل معالم المجد والخير في التاريخ الإسلامي.
ويمكننا تلخيص هذه الشبهات فيما يلي:
1- التشكيك بصحة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم مصدرها الإلهي، وترديد الشبهات القديمة حول القرآن الكريم رغم تهافتها وسقوطها في الميزان العلمي الصحيح.
2- التشكيك في صحة الحديث النبوي الذي اعتمده علماؤها المحققون، بحجة ما دخل عليه من وضع ودس، متجاهلين ما بذله علماؤنا من جهود لتقنية الحديث الصحيح من غيره، مستندين إلى قواعد بالغة الدقة في التثبيت والتحري.
3- التشكيك بقيمة الفقه الإسلامي الذاتية، ذلك التشريع الهائل الذي لم يجتمع مثله لجميع الأمم في جميع العصور.
4- تشكيك المسلمين بقيمة تراثهم الحضاري.
5- إضعاف ثقة المسلمين بتراثهم، وبث روح الشك في كل ما بين أيديهم من قيم وعقيدة ومثل عليا؛ ليسهل على الاستعمار تشديد وطأته عليهم ونشر ثقافته الحضارية فيما بينهم، فيكونوا عبيداً لهم، وتضعف روح المقاومة في نفوسهم.
5- إضعاف روح الإخاء الإسلامي بين المسلمين في مختلف أقطارهم، عن طريق إحياء القوميات التي كانت لهم قبل الإسلام، وإثارة الخلافات والنعرات بين شعوبهم[2].
7- وهكذا تبين لنا أنه لم تسلم ناحية واحدة من نواحي الإسلام: عقيدة ومنهجاً ونظاماً وتطبيقاً، وتاريخاً وأمة، من شبهاتهم ومطاعنهم، مستغلين في ذلك ما كان عليه أغلب المسلمين في هذا الوقت من تخلف مادي وحضاري، وما كانوا يشعرون به من انهزام سياسي ونفسي، حيث حرموا من التربية الدينية الصحيحة، والتعليم الإسلامي السليم.
وقوف العلماء في وجه المستشرقين:
وإذا كانت جهودهم قد أثمرت في تحقيق الغزو الفكري، بظهور حركة التغريب، وطائفة المستغربين، الذين قاموا بالدعوة إلى الأخذ بالفكر الغربي بكل نظمه وتقاليده وعاداته، والإشادة بقيمه وحضارته، والنيل من الإسلام، وتشويه مبادئه، فإن علماء الإسلام في كل أنحاء العالم الإسلامي قد وقفوا لهم بالمرصاد، وقاموا بدحض مفترياتهم، ودرء شبهاتهم، في الوقت الذي قاموا فيه بالدعوة إلى الإسلام وإحياء تعاليمه، والعودة به إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومقاومة الاستعمار بكل طوائفه وأشكاله، والوقوف في وجه حملاته وغزواته، وذلك بتقوية العقيدة في النفوس، وتحصين المسلمين ووقايتهم من الوقوع في حبائل الغزاة من المنصرين والمستشرقين وذلك بتزويدهم بالثقافة الإسلامية الصحيحة، وإبراز حقائق الإسلام وما يتميز به من كمال وشمول، ويبقى أن تتحول أعمالهم الفردية إلى أعمال جماعية منظمة وذلك بالعمل داخل مؤسسات إسلامية منظمة، ويتم التعاون فيما بينهم عن طريق الجامعات الإسلامية، أو منظمة المؤتمر الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي، مثلاً، فتتوحد الجهود وتتكامل الأعمال، وتتحقق الأهداف.
[1] ينبغي أن يفيد المسلمون من هذا الأمر وأن يوحدوا كلمتهم وينظموا صفوفهم وأن يتعاونوا فيما اتفقوا عليه ويعذر بعضهم بعضاً فيما اختلفوا فيه.
[2] راجع تفاصيل ذلك في الاستشراق والمستشرقين: ما لهم وما عليهم للدكتور مصطفى السباعي، ص20-24، واحذروا الأساليب الحديثة، ص120-121. والغزو الفكري والتيارات، ص88-90.