المجال الثقافي للعولمة
♦ شارك في التأليف الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي.
إن لكل خطر وسيلة خاصة لدرئه والوقاية منه، وبما أن أهم أخطار العولمة تبرز من خلال مجالاتها: الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية، فإننا نستعرض أهم الخطوات التي ينبغي أن تتخذ لدرء تلك الأخطار في كل مجال:
أما في المجال الثقافي، فإن من أخطر ما يتعرض له العالم الإسلام من هجمة العولمة هو الجانب الثقافي، لأنه يستهدف شخصية الأمة وهويتها، التي تحددها ثقافتها.
فإن دعاة العولمة يحاولون إحلال ثقافة اللذة العاجلة والمتعة الآنية والمصلحة المادية محل ثقافة الأمة وثوابتها. وبالتالي مسخ شخصيتها والقضاء على هويتها لتكون تابعاً تدور في فلك الغرب وثقافته.
وأمام هذا الخطر الداهم الذي يحمله الإعلام من ناحية، والضغوط الاقتصادية من قبل الشركات والمؤسسات الاقتصادية من جهة، وما تمارسه الحكومات الغربية من ضغوط على الحكومات في العالم الإسلامي من جهة أخرى، تجاه كل ذلك لا بد من استنفار الطاقات والخبرات للعمل الجاد لمواجهة الخطر الداهم الذي تتعرض له الأمة الإسلامية، وذلك من خلال ما يلي:
1- تحصين الأمة بالعقيدة الإسلامية والأخلاق الإسلامية: إن العقيدة الإسلامية تمتلك من الجاذبية والإقناع ما يملأ النفس طمأنينة والعقل يقيناً والفطرة سكينة، والأخلاق الإسلامية فيها من الجمال والبهاء ما يزيد المتخلق بها رفعة وسمواً.
فأول ما ينبغي اللجوء إليه تربية النشء على العقيدة والخلق الإسلامي، ابتداءً من الأسرة إلى المدرسة إلى المعاهد ومؤسسات التعليم العالي، بحيث يشعر بالاعتزاز عندما يعرفون انتماءهم إلى الإسلام.
2- إعادة النظر في مناهج التعليم: وتطويرها وفق معطيات العصر واستخدام التكنولوجيا الحديثة فيها، مع الحفاظ على روح الإسلام وثوابت الأمة، فإن الأمة الإسلامية تملك من الرصد الثقافي والمعرفي ما لا تملكه أمة على وجه الأرض.
3- دعم مراكز البحث العلمي: من قبل الحكومات في العالم الإسلامي، وتوفير المناخ العلمي لأبناء الأمة، وتبني الموهوبين والمبدعين منهم ووضع برامج طموحة للاستفادة من إبداعاتهم، وفتح مجال العودة للعقول المهاجرة من أبناء المسلمين لوضع خبراتهم في خدمة الأمة وتقدمها.
4- تفعيل دور المؤسسات الخيرية والوقفية، وتوجيهها الوجهة السليمة للقيام بدور تكاملي مع مؤسسات الدولة وأجهزتها في دعم النشاط العلمي، ولقد كان للوقف الإسلام دور رائد في التاريخ الإسلامي في جميع المجالات الاجتماعية والعلمية.
5- توجيه الإعلام الوجهة الصحيحة لحمل رسالة الأمة، والدفاع عن مقومات وجودها، والحفاظ على بنائها، وإيجاد البديل الصالح لبرامجها في مختلف المجالات بحيث يحل محل الإعلام المفسد المدمر لكيان الأمة.
6- تطوير الخطاب الإسلامي للعالم، وحمله من قبل المفكرين المسلمين؛ لعرض حقائق الإسلام على العالم كما عرضها القرآن الكريم والسنة النبوية حقائق ناصعة من غير مواربة، ولكن بأسلوب العصر، فإن أعداء الإسلام يحاولون حجب حقائقه عن الناس بالتزوير والتمويه والتشويش، ومع كل ذلك فإن حقائق الإسلام تغزوهم في عقر دارهم ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [الصف: 8].
7- فتح باب الحوار بين علماء الأمة الراسخين من طرف، وبين حاملي لواء ثقافة العولمة من طرف آخر؛ لإظهار عظمة الإسلام وسمو مبادئه ورفعة أخلاقه ومرونة تشريعاته؛ لاستيعاب الجديد النافع، مع الحفاظ على كرامة الإنسان وإنسانيته، والكشف عن تفاهة ثقافة العولمة وضحالة تفكير دعاتها وانحطاط نفوسهم والدركات التي يريدون جر البشرية إليها.