أنواع الحديث الشريف من حيث الثبوت والقبول والرد
شارك في التأليف: الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي
تمهيد في تعريف المتن والسند والحديث القدسي:
من مزايا الأمة الإسلامية نقل دينها نقلاً دقيقاً صحيحاً موصولاً برسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يثبت لأمة من الأمم مثل هذه المزية قبل الإسلام، فكانت وقائع التاريخ وقصصه ينقل غثها وسمينها وحقها وباطلها، وصحيحها وضعيفها، وخرافاتها، وأساطيرها من جيل إلى جيل من غير تحر لأحوال رواتها ولا لمضمون ما ينقلون.
فلما جاء الإسلام هداهم ربهم ووجههم نبيهم أن لا يأخذوا إلا من الصادق، ومن نقل حديثاً يعلم أنه كذب فهو أحد الكذابين، والتوجيه الرباني يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا… ﴾ [الحجرات: 6]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا… ﴾ [النساء: 94].
إن التأكد من الشخص، والتأكد والتثبت من الخبر، وعدم التسرع في قبول ما ينقل في كل شؤون الحياة كان دأب الصحابة ومن بعدهم، فما بالك إذا كان الأمر يتعلق بالدين.
لذا اشتهر بين أهل العلم عند الرعيل الأول من التابعين عبارة (إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم) وقولهم: (إن الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء)[1].
قال محمد بن حاتم بن المظفر:
(إن الله أكرم هذه الأمة وشرَّفها وفضلها بالإسناد، وليس لأحد من الأمم كلها قديمهم وحديثهم إسناد، وإنما هي صحف بأيديهم، وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم، وهذه الأمة إنما تنص الحديث من الثقة المعروف في زمانه، المشهور بالصدق والأمانة عن مثله، حتى تتناهي أخبارهم، ثم يبحثون أشد البحث حتى يعرفوا الأحفظ فالأحفظ، والأضبط فالأضبط، والأطول مجالسة لمن فوقه ممن كان أقل مجالسة، ثم يكتبون الحديث من عشرين وجهاً وأكثر، حتى يهذبوه من الغلط والزلل. ويضبطوا حروفه، ويعدوه عداً، فهذا من أعظم نعم الله على هذه الأمة نستوزع الله شكر هذه النعم[2].
ويكثر دوران بعض المصطلحات على الألسنة وفي الكتابات: كالسند، والمتن والحديث القدسي، وفيما يلي تعريف موجز بكل منها:
السند في اصطلاح المحدثين: سلسلة الرواة الذين نقلوا المتن عن مصدره الأول[3].
المتن في اصطلاح المحدثين: هو ألفاظ الحديث التي تتقوم به معانيه[4]. أو هو ما ينتهي إليه السند من الكلام[5].
مثال على السند والمتن:
روى الإمام البخاري قال: حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا عبدالوهاب الثقفي قال: حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار”[6].
فسلسلة الرجال من البخاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هم سند الحديث، وما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم هو متن الحديث.
الحديث القدسي: هو الحديث الذي يضيفه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل.
ويسمى الحديث الإلهي: ولفظه ومعناه من الله. والفرق بينه وبين القرآن هو أن القرآن الكريم معجز، ومتعبد بتلاوته، وليس كذلك الحديث القدسي.
والفرق بين الحديث القدسي والحديث النبوي: هو أن الحديث النبوي منسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فألفاظه من النبي صلى الله عليه وسلم ومعناه من الله تعالى[7].
مثال على الحديث القدسي:
ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: “ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره”[8].
مثال آخر: حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: “يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا..”[9] الحديث.
أنواع الحديث من حيث الثبوت:
ينقسم الحديث باعتبار وصوله إلينا إلى: الحديث المتواتر:
هو ما رواه جمع، تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، عن مثلهم من أول السند إلى منتهاه[10].
وينقسم المتواتر إلى: متواتر لفظي، ومتواتر معنوي.
فالمتواتر اللفظي:
هو ما تواتر لفظه ومعناه، مثل حديث: “من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار”. فقد رواه بضعة وسبعون صحابياً.
والمتواتر المعنوي: هو ما اتفق نقلته على معناه، من غير مطابقة في اللفظ. مثل: أحاديث الشفاعة، وأحاديث الرؤية، وأحاديث نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم[11].
الحديث المشهور:
ما رواه ثلاثة فأكثر – في كل طبقة – ما لم يبلغ حد التواتر. مثاله حديث: “إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً..”[12] الحديث.
خبر الآحاد:
هو ما رواه الواحد، أو الاثنان فأكثر، مما لم تتوافر فيه شروط المشهور، أو المتواتر. وبعض العلماء جعل الأخبار قسمين: متواتر وآحاد، وأدخل المشهور في خبر الآحاد.
أنواع الحديث من حيث القبول و الرد:
وقد اصطلح العلماء على تقسيم الحديث إلى مقبول يعمل به، وغير مقبول لا يعمل به.
الحديث الصحيح: ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة.
ومن التعريف تعرف شروط الحديث الصحيح وهي:
اتصال السند: ومعناه أن كل راوٍ قد أخذه مباشرة عمن فوقه من أول السند إلى منتهاه.
عدالة الرواة: أن يكون كل راوٍ مستقيم الدين، وحسن الخلق، سالماً من الفسق وخوارم المروءة.
ضبط الرواة: أن يكون حافظاً لما يرويه عالماً بمعناه، وحافظاً لكتابه من دخول التحريف أو النقص.
عدم الشذوذ: هو أن لا يخالف من هو أرجح منه.
عدم العلة: أن لا يكون فيه سبب غامض خفي، يقدح في صحة الحديث، مع أن الظاهر السلامة منه[13].
مثاله: كل ما ورد في صحيح البخاري وصحيح مسلم يصلح مثالاً لهذا القسم، لأن صاحبيهما التزاماً بالاقتصار على الحديث الصحيح.
مثل: “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى..”[14]. وحديث: “لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به”[15].
الحديث الحسن: هو ما اتصل سنده، بنقل العدل الذي خف ضبطه عن مثله إلى منتهاه، من غير شذوذ ولا علة.
ويظهر من التعريف أن شروط الحسن هي شروط الصحيح ما عدا خفة الضبط في الحسن.
مثاله: ما رواه الترمذي قال: حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (.. فإذا استيقظ – أي أحدكم – فليقل: الحمد لله الذي رد علي روحي وعافاني في جسدي وأذن لي بذكره)[16]. قال الحافظ ابن حجر: أخرجه الترمذي والنسائي.. وإنه من أفراد محمد ابن عجلان وهو صدوق لكن في حفظه شيء[17].
الحديث الضعيف: وهو الحديث الذي لم تجتمع فيه صفة الحديث الحسن. ويكون ذلك إما بعدم اتصال السند، أو لعلة أخرى كاضطراب المتن وغيره.
مثال: ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (من أتى حائضاً.. أو كاهناً فقد كفر بما أنزل على محمد)[18] رواه الترمذي وحكم بضعفه، لضعف أحد رجال السند.
وأجمع العلماء على العمل بالحديث الصحيح والحديث الحسن.
واختلفوا في رواية الحديثة الضعيف والعمل به.
وجوز بعض العلماء رواية الأحاديث الضعيفة والعمل بها بشروط:
الأول: أن لا تتعلق بالعقائد كصفات الله تعالى.
الثاني: أن لا يكون في بيان الأحكام الشرعية مما يتعلق بالحلال والحرام.
الثالث: أن يكون الضعف غير شديد.
الرابع: أن يندرج الحديث تحت أصل معمول به.
الخامس: أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته بل يعتقد الاحتياط[19].
فيعمل بالضعيف في المواعظ، والترغيب والترهيب والقصص وما أشبه ذلك.
[1] انظر مقدمة صحيح مسلم، وأصول الحديث للدكتور محمد عجاج الخطيب، ص38 بتصرف.
[2] أصول الحديث للدكتور محمد عجاج الخطيب، ص39.
[3] المرجع السابق، ص36.
[4] المرجع السابق، ص36.
[5] المرجع السابق، ص36.
[6] متفق عليه، صحيح البخاري رقم (16) 1/4، صحيح مسلم (43) 1/66.
[7] أصول الحديث لمحمد عجاج الخطيب، ص34.
[8] المرجع السابق. وفي صحيح البخاري رقم (2150) باب إثم من منع أجر الأجير 2/792.
[9] صحيح مسلم 4/1944 الحديث رقم (2577) باب تحريم الظلم.
[10] أصول الحديث محمد عجاج الخطيب، ص315.
[11] المرجع السابق، ص316 بتصرف يسير.
[12] رواه الشيخان واللفظ لمسلم رقم (2673) باب رفع العلم 4/2058.
[13] انظر تيسير مصطلح الحديث للطحان، ص33 وما بعدها باختصار.
[14] رواه الشيخان: صحيح البخاري رقم (1) كتاب بدء الوحي وصحيح مسلم رقم (155) باب الإمارة.
[15] فتح الباري 13/389 قال الحافظ: حديث أخرجه الحسن بن سفيان وغيره ورجاله ثقات.
[16] رواه الترمذي رقم (3401) وقال حديث حسن 5/472.
[17] راجع حاشية (توجيه النظر إلى أصول الأثر) للشيخ طاهر الجزائري 1/355 تعليق الشيخ عبدالفتاح أبو غدة.
[18] رواه الترمذي (135) باب في كراهة إتيان الحائض 1/242.
[19] انظر تيسير مصطلح الحديث للطحان، ص64 مختصراً.