موقع أ.د مصطفى مسلم
الموقع الرسمي لفضيلة الأستاذ الدكتور مصطفى مسلم

مهمات الرسل

شارك في التأليف: الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي.

إن الرسل صلوات الله عليهم وسلامه يمثلون الكمالات البشرية، وبما أن الله سبحانه وتعالى اصطفاهم للسفارة بينه وبين خلقه، فقد حدد مهمات هذه السفارة:

أولاً: البلاغ المبين:

وهي المهمة الأساسية التي اختيروا من أجلها، وهو تبليغ الناس ما أوحي إليهم وعدم كتمان شيء منه، يقول عز من قائل مخاطباً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 67]، وكم أوذي نبي في بدنه وماله وأهله في سبيل تبليغ الرسالة، وكم قضى منهم نحبه، وهو يجهر بالحق ويدعو الناس إلى توحيد الله وعبادته.

وكما يكون البلاغ بالقول والبيان، يكون البلاغ بالفعل والتطبيق العملي لما يدعو الناس إليه.

ثانياً: إقامة الحجة:

إن في تبليغ الناس رسالات ربهم، وبيانها لهم، قطع لدابر أعذار المتعللين، الذين يريدون تبرير انحرافهم عن جادة الحق بأي عذر أو سبب، لذا بين الله سبحانه وتعالى أن بإرسال الرسل قطع دار الحجة: ﴿ رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾ [النساء: 165]، إن الثواب والعقاب لا يكون إلا بعد التبليغ والبيان، والبشارة والإنذار، يقول جل جلاله: ﴿ وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى ﴾ [طه: 134].

ثالثاً: التبشير والإنذار:

إن البشارة للمؤمنين بأن الإيمان والالتزام بالهدايات الربانية، يحقق السعادة والرفاه في الدنيا، ويورث الجنة ونعيمها في الآخرة، وأن الكفر والعناد والإعراض عن دعوة الحق يورث الخذلان والتعاسة في الدنيا، والعذاب المهين يوم القيامة، كل ذلك يحفز في نفس السامع الرغبة والرهبة، الرغبة في سعادة الدارين، والرهبة من المصير التعيس في الدارين.

يقول الله جل جلاله: ﴿ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ﴾ [الكهف: 56]، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مثلي ومثل ما بعثني الله به، كمثل رجل أتى قومه فقال: يا قوم إني رأيي الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان، فالنجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا، فانطلقوا على مهلتهم فنجوا، وكذبت طائفة منهم، فأصبحوا مكانهم، فصبحهم الجيش، فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني واتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق»[1].

رابعاً: تصحيح العقائد وتزكية النفوس:

إن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يكيف سلوكه وفق معتقداته، لذا كان من مهمات الأنبياء والمرسلين: تصحيح العقائد، وتربية النفوس على الالتزام بتطبيق الهدايات الربانية، يقول عز من قائل: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2].

فكلما انحرفت البشرية عن منهج الله في العقائد وأشركت بالله تعالى، أو خضعت لشهواتها، وتنكبت طريق الهداية والفلاح، وانغمست في حمأة البهيمية، أرسل الله إليهم من يخرجهم من ظلمات الجهل والضلالة إلى نور الإيمان والعلم ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 257].

خامساً: رعاية مصالح الأمة:

إن إقامة العدل بين الناس، بتحكيم الشرائع المنزلة في حياة الناس، وجلب المنافع لهم وتحقيق المصالح، ودفع الضر عنهم، كل ذلك من مهمات الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم وسلامه.

يقول جل جلاله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ… ﴾ [المائدة: 49].

وقد أمر الله سبحانه وتعالى أنبياءه على مر التاريخ أن يرعوا مصالح أقوامهم، ويحكموا بينهم بما أنزل الله لإحقاق الحق، وإقامة العدل ﴿ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ﴾ [ص: 26]، إن مهمات الأنبياء والمرسلين من أعظم المهمات وأجلها وأشرفها، لأنها تهدف إلى تحقيق عبودية الإنسان لربه وخالقه ورازقه وتحريره من عبودية الشهوات والأهواء النابعة من ذاته أو المفروضة عليه من غيره، بل هي من أصعب المهمات وأخطرها؛ لأن التعامل مع البشر، ورفعهم إلى الأفق الرفيع من الأخلاق والخصال، يحتاج إلى الاستمرار في البذل ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ﴾ [نوح: 5-7].


[1] متفق عليه، صحيح البخاري في الرقائق، الحديث رقم (6854)، صحيح مسلم رقم (2283)، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم واللفظ لمسلم.

 

قد يعجبك ايضا