موقع أ.د مصطفى مسلم
الموقع الرسمي لفضيلة الأستاذ الدكتور مصطفى مسلم

الإيمان بالرسل

قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 150 – 152].

النبيُّ والرسول والفَرْق بينهما:

اختلَف المفسِّرون وعلماء أصول الدين في الفَرْق بين النبي والرسول، ولعل أرجَح الأقوال قول مَن قال:

إن النبي يُبعث لتجديد رسالة سابِقة انحرَف أتباعها عنها، ولم يلتزِموا بهِداياتها، وهو الشأن في أغلب أنبياء بني اسرائيل.

أما الرسول، فهو الذي يُبعَث برسالة مستقِلَّة ابتداء، أو تعديل رسالة سابِقة عليه بنسخ أحكام منها أو زيادة أحكام عليها[1]

عدد الأنبياء والمُرسلين:

جرَت سنة الله تعالى في النبوَّات أن يَبعث في كل أمة رسولاً يُبلِّغهم رسالات ربه؛ لتقوم الحُجَّة عليهم؛ يقول – عز وجل -: ﴿ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ﴾ [فاطر: 24]، وقال عزَّ مِن قائل: ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 15].

جاء في حديث أبي ذر الغفاري – رضي الله عنه – قال: قلتُ: يا رسول الله، كم المرسلون؟ قال: ((ثلاثمائة وبضعة عشر جمًّا غفيرًا))، وفي رواية قلتُ: يا رسول الله، كم وفاء عُدَّة الأنبياء؟ قال: ((مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا، الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جمًّا غفيرًا))[2].

ذكَر الله – سبحانه وتعالى – خمسة وعشرين رسولاً نبيًّا بأسمائهم، والإيمان بالمذكورين بأسمائهم واجب، والذين لم يُذكَروا يجب الإيمان بهم إجمالاً.

والكفر بواحد منهم كُفْر بهم جميعًا؛ يقول – عز وجل -: ﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 136].

وقد نُسِب إلى قوم نوح تكذيب المرسَلين، عِلمًا أنه لم يأتِهم إلا نوح؛ إلا أن تكذيب نوح تكذيب للأنبياء والمرسلين قبْله؛ قال تعالى: ﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الشعراء: 105]، وكذلك قوله تعالى: ﴿ كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الشعراء: 123]، وقوله ﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الشعراء: 141].

دين الأنبياء وشرائعهم:

جميع الأنبياء والمرَسلين دينهم واحد وهو الإسلام.

يقول الله – عز وجل -: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19]، ويقول أيضًا: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85]؛ لذا جاء على لسان كثير من الأنبياء أن دينَهم الإسلام، أو دَعَوا الله أن يجعلهم من المسلمين، أو حكَم الله لهم بالإسلام:

قال تعالى: ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [آل عمران: 67]، وجاء على لسان يوسف – عليه السلام -: ﴿ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِين ﴾ [يوسف: 101]، وفي دعاء إبراهيم وإسماعيل – عليهما السلام – عند بناء الكعبة: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ﴾ [البقرة: 128]، وفي وصيَّة يعقوب لأبنائه وردِّهم جاء: ﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 133]، وجاء على حواري عيسى – عليه السلام -: ﴿ وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ ﴾ [المائدة: 111].

وجاء في حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((الأنبياء إخوة من عَلَّات؛ أمهاتهم شتَّى ودينهم واحد))[3]، فكل الأنبياء أرسِلوا بأصول العقائد: كتوحيد الله – سبحانه وتعالى – والإيمان بالأنبياء والمرسلين الذين سبَقوهم، والإيمان باليوم الآخر، وكلهم دعَوا إلى الالتِزام بأصول العبادات وأمهات الأخلاق، أما فروع الشرائع فتختلِف من نبي إلى آخر؛ لأن الشرائع تَنزِل لتنظيم المجتمعات ومحارَبة الانحرافات السلوكية فيها؛ فالأمراض الاجتماعية تختلِف من أمة إلى أخرى؛ لذا تتنوَّع الشرائع حسْب اختلاف المجتمعات وأمراضها؛ يقول الله – عز وجل -: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾.

فضل نبوَّة محمد – صلى الله عليه وسلم – على النبوَّات الأخرى:

لقد تعرَّضت الرسالات السابِقة خلال التاريخ البشري إلى عوامل كثيرة من الاضطهاد والتحريف والتغيُّر والكِتمان؛ مما فقَد سلسلة نقْلها وتواترها، بل ربما مرَّت قرون وقرون ولا يُدرى عن تلك الشرائع والنبوات أي خبر، وكانت النبوات اللاحقة تُجدِّد كثيرًا من شرائع الأنبياء السابقين، ولكن تلك الفجوات التاريخية لم يستطِع المؤرِّخون للأديان أن يملؤوها، وبقيت نقطة ضعف وحلقة مفقودة في تاريخها.

إلا رسالة محمد – صلى الله عليه وسلم – الخاتَمة؛ فقد امتازت على سائر الشرائع والنبوات باتِّصال سندِها من يوم بعثته – صلى الله عليه وسلم – إلى يومنا هذا، وإلى يوم القيامة، حيث نُقِل القرآن الكريم بشكل متواتِر من يوم نزوله على قلب رسول – صلى الله عليه وسلم – وسيستمر كذلك إلى أن يَرِث الله الأرض ومن عليها، وذلك بفضل من الله ورحمة وعهْد منه – جل جلاله – حيث يقول: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].

إن التاريخ يعجِز عن إثبات رسالة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى – عليهم السلام – بطريق وثائقي علمي، إلا من خلال القرآن الكريم، لذا تبوَّأت أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – مكان الحكم والشهادة على الأمم الأخرى بالقرآن الكريم؛ يقول – عز من قائل -: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾، ويُبيِّن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هذه الشهادة للأمة بقوله كما رواه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((يُدعى نوح – عليه السلام – يوم القيامة فيقول: لبَّيك وسعديك يا رب، فيقول: هل بلَّغت؟ فيقول: نعم، فيقال لأمته: هل بلَّغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، فيقول: من يشهَد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيشهدون أنه قد بلَّغ، ويكون الرسول عليكم شهيدًا، فذلك قوله – عز وجل – ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143])).

وما شهادة هذا الأمة على غيرها إلا بالقرآن الكريم؛ لأن القرآن ذكَر أن نوحًا بلَّغ رسالات ربه إلى أمته، وكذلك الأنبياء السابقون والرسول – صلى الله عليه وسلم – شهيدًا على أمته، وقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يُكرِّر في مناسبات إشهاد أمته على أنه بلَّغهم رسالات ربهم، كما كان شأنه في حَجَّة الوداع، فبعد أن خطَب خطبته المشهورة قال للناس: ((هل بلَّغت)) قالوا: نعم، وكرَّرها، ثم قال: ((اللهم فاشهَد، وهو يشير بأصبعه إلى الناس تارة، ويرفع بصره إلى السماء وهو يقول: اللهم فاشهد)) إن تواتر النقل الإسناد من المسلمين العدول في أجيال هذه الأمة مَيزة عظيمة انفرَدت بها أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – فتبوّأت هذه المكانة العظيمة بين الأمم.

صفات يجب اعتقادها في الرسل:

إن الله – جل جلاله – اصطفى لتبليغ رسالاته إلى الأمم أناسًا من الأمم أنفسها، والله أعلم حيث يجعل رسالته، وهؤلاء المختارون لأداء هذه المهمة العظيمة لا بد أن يكونوا متَّصفين بأعلى درجات الكمالات الإنسانية من الناحية الخُلُقية والجسميَّة والعقلية والسموِّ الروحي؛ لذا ذكَر العلماء جملة من الصفات الأساسية التي ينبغي اعتقادها في الأنبياء والمرسلين – عليهم الصلاة والسلام – منها:

1- الفَطانة:

إن الرسول يحمل دعوة ربانية إلى الناس، ويُجابِه بها فئات الناس المختلفة، وفي الغالب تكون المجابهة بين الرسل، وبين من بيدهم السُّلطة والحكم، وهؤلاء يَستعينون بأصحاب الفِكر والرأي المتمرِّسين في الجدل والاحتجاج، فلو لم يكن الرسول على جانب كبير من الذكاء والفِطنة لا يمكنه إقامة الحُجة على هؤلاء الناس جميعًا، ومن يتتبَّع الحجج والبراهين التي أورَدها الأنبياء والمرسلون على أقوامهم؛ مِثل نوح وإبراهيم وموسى، وشعيب ولوط وغيرهم – عليهم الصلاة والسلام – يقف على هذه الصفة الراسخة في جِبلَّة كل واحد منهم.

2- العصمة:

إن الرسول هو أول من يُطبِّق تعاليم رسالة ربه، وهو القدوة والمَثَل الأعلى لأتباعه في العقيدة والأخلاق والأفعال، ولكي يصِح الاقتداء وتَسلَم الأسوة من الانحراف؛ عصَم الله – جل جلاله – رسله من الوقوع في المعاصي، فلا يُتصوَّر أن يقع الرسول في مخالَفة لأوامر ربه طواعية وباختياره؛ يقول – جل جلاله -: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ﴾.

3- الأمانة:

إن الرسول أمين على شريعة ربه تبليغًا وتطبيقًا وبيانًا؛ فلا يمكن أن يخون ربَّه في رسالته بأن يكتُمها ولا يبلِّغها للناس، ويستحيل أن يعطِّل أحكامها، فلا يلتزِم بتطبيقها في حياته على نفسه وأهل بيته أولاً، ثم على أتباعه ثانيًا، ولقد بلَّغ نبيُّنا محمد – صلى الله عليه وسلم – كل ما أوحي إليه من ربه، ونجد جملة من العتابات الربانية لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – مما يتعلَّق بجوانب في حياته الخاصة وقضايا دعوته ومواقف عسكرية وأخرى سياسية، وقد بلَّغها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كلها، وما ذاك إلا التزامًا بصفة الأمانة في التبليغ.

4- الصدق:

إن هنالك بعض الصفات الأساسية التي تورِث الثقة بالشخص، وتفرِض احترامه على غيره، من هذه الصفات: صِفة الصدق؛ لذا قال العلماء: إن من الصفات التي ينبغي اعتِقادها في الرسل صفةَ الصدق؛ لأن اتِّصاف شخص بغير الصدق دليل على ضعْف الشخصية، ومَدْعاة للتردُّد في الأخذ بأقواله أو الاطمئنان على تصرُّفاته وأحواله، وكل ذلك يتنافى مع مهمة الرسول الذي يبني العقيدة في نفوس الناس، ويرسِّخ دعائم الاستقامة على المُثُل العليا والفضائل، ولا يتحقَّق ذلك إلا بالاقتداء بالرسول في أخلاقه، وعلى رأسها الصدق والاستقامة.

5- التبليغ:

من المهمات الأساسية التي يكلَّف بها الرسول: التبليغ، فلا يَدَّخرون وُسْعًا في إبلاغ الأقوام ما أوحاه الله به إليهم؛ يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة: 67]، وقد بيَّن القرآن الكريم أن الله يعصِم رُسله حين التبليغ من أن يَخلِط أحد عليهم شئيًا مما يريدون تبليغه للناس، فلا يتسلَّط إنسيٌّ ولا جني ولا شيطان؛ بل هم مَحفوفون برعاية الله وحفْظه حتى تمَّ لهم التبليغ على الوجه الصحيح؛ يقول – عز وجل -: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ﴾ [الجن: 26 – 28].

6- سلامة الحواس من الأمراض المنفِّرة:

وذلك لأن مهمة الرسول في التبليغ والتربية تقتضي الاختلاط بالناس، وجلْب القلوب إلى دعوته، والاقتداء به في أحواله، ومحبته، ووجود نقْص في الحواس – كالعمى والصمم والبكم – والإصابة بمرض معدٍ منفِّر – كالجُذام أو البَرَص وغيره – يتنافى مع المهمة التي كلِّف بها، ويكون مدْعاة لنُفْرة الناس منه والابتعاد عن مجالسه، وكل ذلك يعود بالبُطلان على سعيه للهداية والإصلاح، إن الله – سبحانه وتعالى – اصطفى لرسالاته أكمل الناس عقولاً، وأرقَّهم أفئدة، وأحسنَهم أخلاقًا، وأجملهم منظرًا أو هيئة، وأقربَهم إلى قلوب الناس مَنزلة.

وما عدا هذه الصفات الأساسية، فإن الرسل من البشر يَعْتوِرُهم ما يعتوِر البشر من التعرُّض للأمراض العادية، ويحتاجون إلى ما يحتاجه البشر من الطعام أو الشراب أو السعي للكسب، ويتعرَّضون في تعامُلهم إلى النصر والهزيمة والربح والخسارة؛ يقول عز من قائل: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنبياء: 7]، وقال – جل شأنه -: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ﴾ [الفرقان: 20].


[1] انظر تفسير الآلوسي 17/157، والرسل والرسالة؛ ت للأشقر.

[2] رواه الأمام أحمد في المسند (ج ص).

[3] رواه البخاري ومسلم وأحمد.

قد يعجبك ايضا