موقع أ.د مصطفى مسلم
الموقع الرسمي لفضيلة الأستاذ الدكتور مصطفى مسلم

نظرة الإسلام إلى الإنسان والكون والحياة

أولاً: نظرة الإسلام إلى الإنسان:

الإنسان في نظر الإسلام أكرم مخلوق على هذه الكرة الأرضية، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ [الإسراء: 70].

وتتجلى مظاهر تكريم الإنسان في الصور التالية:

1- خلقه في أحسن تقويم:

إن اعتدال القامة، واستقامتها، وتناسق الأعضاء؛ لأداء وظائفها، والمسحة الجمالية في شكل الإنسان، كل ذلك مجال اتفاق العقلاء على تكريم الله تعالى له بخلقه في أحسن صورة، يقول عز من قائل: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4].

ولو أننا خيرنا إنساناً يرى في نفسه دمامة الخلقة، وقصر القامة، وبشاعة المظهر، لو خيرناه بين واقعه وبين أجمل حيوان كالأسد والنمر والغزال والقرد.. لاختار شكله وواقعه على الحيوان مهما كان شكله جميلاً.

2- منحه العقل:

إن أعظم ما يميز الإنسان عن سائر المخلوقات العقل، الذي يميز به بين الصواب والخطأ، وبين الصالح والطالح، وبين الخير والشر، وبين النافع والضار.

وبواسطة العقل يجزئ المركب؛ فيعرف دقائقه، ويركب الجزئيات؛ فيعرف عمومها وتمامها، ويرتب النتائج على المقدمات، ويعمل بالأسباب؛ ليصل إلى المسببات والثمرات، وبالعقل يذلل الصعاب، ويخضع لسيطرته الوحوش الكواسر ويروض السباع الضواري، ويتغلب على قوى الطبيعة، ويتعرف على سنن الله فيها ليسخرها لصالحه..

ولتخصيص الإنسان بالعقل كلفه ربه بالتكاليف الشرعية، يقول عز من قائل: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾ [الأحزاب: 72].

3- جعله على الفطرة:

بمعنى أن الله – تعالى – أعطاه الاستعداد للرقي إلى الكمالات الروحية والخلقية، فلدى الإنسان الاستعداد للتسامي؛ ليكون في أعلى عليين، ولديه الاستعداد ليكون في أسفل سافلين من دركات الانحطاط النفسي والخلقي.

إن الإنسان لديه الاستعداد لأن يتصف بالحقد والحسد والغش والكبر والرياء والطمع والبطر والخيلاء والضعف والمداهنة والمكر… ولديه الاستعداد لأن يتصف بأضداد هذه الخصال السيئة، ويمكنه أن يشغل أكبر حيز بين هذه الصفات أو يخلط بينها، بينما الحيوان لا يتصف إلا بصفة واحدة من هذه الصفات في الغالب.

4- ملكة البيان:

يقول جل جلاله: ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [الرحمن: 1-4]، إن ملكة البيان – أي القدرة على التعبير عما في النفس – من الخصائص الكبرى التي منحها الله تعالى للإنسان، سواء كان ذلك للتعبير عن الحاجات العضوية التي يحتاجها، كالحاجة إلى الطعام والشراب والآلام والأوجاع..، أو كان التعبير عن الأفكار والمعتقدات والمبادئ، أو التعبير عن المشاعر والعواطف، أما الحيوانات فلا تصدر إلا بعض الأصوات للتعبير عن حاجة ما، ومن الصعوبة بمكان ترويضها على بعض الأصوات الأخرى للتعبير عن عادات، أو ربطها ببعض الظروف، فتكون رد فعل على بعض التصرفات الموجهة إليها.

5- إرادته وطرق الخيار لديه:

كلما استعمل الإنسان عقله اتسعت دائرة العلم لديه، وبالتالي اتسع مجال الاختيار عنده، إن الإنسان الذي يجابه مشكلة ما، يستطيع أن يتصرف تجاهها بأكثر من أسلوب، ويستطيع اختيار الطريق الأنسب لصالحه وتحقيق رغباته، فإذا جوبه بالاعتداء عليه: قد ينتقم أو يعفو، وقد يكظم غيظه أو يظهره، وقد يداري في وقت ليترك الانتقام إلى الفرصة المواتية، وقد يجبن ويتخاذل ويستسلم، وقد يرد بالمثل أو يطغى، وقد يترفع في الرد أو يسف. كل تلك الخيارات أمامه وإرادته وتصميمه يحدد له مجال الاختيار، يقول عز وجل: ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾ [الانسان: 3].

أما الحيوان فلا يملك إلا تصرفاً واحداً أمام الحادث الذي يتعرض له.

كل ذلك من مظاهر تكريم الله سبحانه وتعالى للإنسان، ليكون سيد المخلوقات على هذه الأرض، وسنة الله في مخلوقاته أن كل منحة يقابلها تكليف ومحنة، فحمل الإنسان أمانة التكاليف والاستخلاف في الأرض. يقول جل جلاله: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].

وسيحاسبه على كل صغيرة وكبيرة يوم الحساب، يقول أحكم الحاكمين: ﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ [الإسراء: 13-14].

ويقول تعالى: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115].

ثانياً: نظرة الإسلام إلى الكون:

تمتاز نظرة الإسلام إلى المخلوقات جميعاً بالشمولية، والتكامل والخضوع لأمر الله سبحانه وتعالى، والكون بما فيه من مجرات، وأفلاك ونجوم وكواكب سيارة، وما يقطن هذه الكواكب من مخلوقات، كلها مخلوقة لله سبحانه وتعالى: ﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾ [مريم: 93-95].

لذا نشير إلى نقاط بارزة في هذا الصدد مما يتعلق بالكون:

(أ‌) الكون مخلوق لله سبحانه وتعالى:

يقول عز من قائل: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 190].

ويبين الله سبحانه وتعالى أن هذا الكون بأرضه، وسماواته خاضع لأمر خالقه الذي أودع فيه المهمات، وحدد له دوره، فالكائنات كلها مطيعة قائمة بما خلقت من أجله يقول عز وجل: ﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾  [فصلت: 9-12].

(ب) الكون يسير وفق سنن الله سبحانه وتعالى:

إن النظام الدقيق الذي يجري عليه الكون بجزئياته، والوظائف التي تؤديها أجزاؤه بكفاءة من غير تخلف أو اضطراب، يدل على حكمة الواحد الأحد، وعظيم قدرته، ونفاذ إرادته في الكون الفسيح، وهذه السنن مطردة لا تتخلف ما دامت السماوات والأرض..

يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [يس: 37-40].

(ج) الكون مسخر لمصالح الإنسان:

إن الإنسان سيد هذه الأرض، وسخر الله سبحانه وتعالى له كل ما أودع فيها، سواء في باطنها، أو على ظهرها، أو في أجوائها، أو فيما حولها، لا يستعصي عليه شيء منها ما دام يتعامل مع سنن الله فيها بالحكمة، ولا يتصادم معها، ولا يحاول تغييرها. يقول جل جلاله: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 32-34].

(د) الكون مجال التدبر والتفكر:

أمر الله سبحانه وتعالى عباده بالتفكر في الكون وتدبر ما يجري فيه لتحقيق غايتين:

• الأولى: الاستدلال من خلال نظامه على عظيم قدرته وجلال حكمته ووحدانيته في الخلق والأمر.

• الثانية: التعرف على سنن الله تعالى في هذا الكون لتسخيرها لمصالحه والاستفادة من الطاقات والقدرات المودعة فيه.

 

(هـ) الكون ميدان النشاط البشري:

جعل الله سبحانه وتعالى الإنسان سيد المخلوقات، وأنزل عليه رسالاته وهداه إلى طريقة التعامل مع الكون، وجعله ميدان نشاطه وسعيه، يقول جل وعلا: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15].

إن الله سبحانه وتعالى ربط الوصول إلى الحقائق الكونية والطاقات المودعة فيه بالجهد البشري فكل من بذل الجهد، وصبر على مشاق البحث، واسترشد بدلالات العقل وأفاد من تجارب الآخرين وصل إلى مبتغاه، ولن يحول معتقده دون الوصول إلى النتائج، يقول عز من قائل: ﴿ كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً ﴾ [الإسراء: 20].

ثالثاً: نظرة الإسلام إلى الحياة الدنيا:

1- الدنيا مزرعة الآخرة:

جرت المشيئة الإلهية أن يخلق الله الإنسان في هذه الدنيا؛ ليكون خليفة الله في هذه الأرض، وعرفه سبيل الرشاد وبين له سبل الضلال من خلال الوحي إلى رسله ﴿ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 129]، وبين حقيقة هذه الحياة الدنيا وأنها دار ممر لا دار مقر، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مالي وما للدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها»[1].

2- الحياة الدنيا دار ابتلاء وامتحان:

لقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان في هذه الحياة، واستخلفه في الأرض لإعمارها، واستثمارها وفق المنهج الذي أنزله على أنبيائه ورسله، وبلغوها أقوامهم؛ وذلك ليجازي كلاً على ما قدم فيها: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ [الملك: 2].

وجعل سنة التدافع مستمرة في هذه الحياة، ليميز الخبيث من الطيب، ولم يجعل لأحد الغلبة المطلقة على أهل الأرض، سواء من الصالحين أو الأشرار بل الأيام دول بين الأمم والشعوب والأفراد ﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 140-142].

3- نظرة اعتدال وتوازن:

نظرة الإسلام إلى الحياة الدنيا قوامها الاعتدال والتوازن، فبالرغم أن الحياة الدنيا ليست نهاية المطاف، وهي دار ممر، إلا أن الإسلام لم يهملها ولم يأمر بتركها والتجافي عنها، كما أنه لم يجعلها الغاية التي يعمل الإنسان من أجلها يقول الله تعالى: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77].

وقد راعى الإسلام الطبيعة البشرية في الميل إلى زينة الحياة الدنيا فأباحها لهم، على أن لا تصدهم عن العمل للآخرة، والسعي إلى مرضاة الله عز وجل ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 32].

4- الحياة الدنيا زينة وليست قيمة:

لما كانت الحياة الدنيا مؤقتة، وحالة عابرة، وعرضاً زائلاً في رحلة الإنسان المتمثلة في الأطوار التي يمر بها الإنسان من: ولادة ونشأة، ثم موت وحياة برزخية ثم بعث بعد موت، ثم استقرار وخلود في الدارة الآخرة.

فالحياة الدنيا بمباهجها ونضرتها وشهواتها هي زينة؛ لأنها عرض زائل، فإذا تحول الإنسان فيها من متعة إلى أخرى مضت المتعة الأولى، ولم يبق لها أثر.. أما القيمة أو الحقيقة الخالدة فهي حقائق الآخرة، لذا قال الله سبحانه وتعالى عن الحياة الدنيا: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [الحديد: 20].

ولكن هذا العرض الزائل إذا ربط بالقيم الحقيقية، وجعل وعاء للكنوز والمدخرات الباقية الخالدة، استمتع بها الإنسان حالاً ومالاً، عاجلاً وآجلاً. كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف: 45-46].


[1] رواه الترمذي رقم (2377) باب ما جاء في أخذ المال، 4/588، وقال: حسن صحيح، ورواه أحمد وابن ماجة، والحاكم في المستدرك بزيادات في كتاب الرقاق وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.

قد يعجبك ايضا