موقع أ.د مصطفى مسلم
الموقع الرسمي لفضيلة الأستاذ الدكتور مصطفى مسلم

مشاهد وأحداث يوم القيامة: الحشر

شارك في التأليف: الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي.

بعد أن يتم بعث الموتى، بإحيائهم وإخراجهم من قبورهم، يبدأ ما يعرف بـ(الحشر) وهو في اللغة بمعنى الضم والجمع، وفي الاصطلاح عبارة عن سوق الخلائق جميعاً إلى الموقف، لفصل القضاء بينهم[1].

ويتم سوقهم إلى هذا الموقف كما خلقهم الله أول مرة، يقول تعالى: ﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [الأنعام: 94].

حيث يتم حشرهم حفاةً (غير منتعلين)، عراة (غير مكتسين)، غرلاً (غير مختتنين) فقد ورد في الصحيح عن السيدة عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً، قلت: يا رسول الله ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال صلى الله عليه وسلم: يا عائشة! الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض)[2].

ولعل هذا يفسر قول الله تعالى: ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ [عبس: 24-27]، ولذلك فإنه يقع في هذا الموقف هول شديد، ويصاب الناس بكرب عظيم، حيث ﴿ تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 2]، حيث ينال الناس فيه من الشدائد ما ينالون:

أ‌- كطول الوقوف، قيل ألف سنة كما في سورة “السجدة” وقيل خمسين ألف سنة كما ورد في “المعارج”، ولا تنافي بين الأمرين لأن العدد لا مفهوم له، وهو مختلف باختلاف أحوال الناس، فيطول على الكفار، ويتوسط على الفساق، ويخف على الطائعين، حتى يكون كصلاة ركعتين.

ب‌- وكإلجام الناس بالعرق – الذي هو أنتن من الجيفة – حتى يبلغ آذانهم، ويذهب في الأرض سبعين ذراعاً، والناس يكونون فيه على قدر أعمالهم، فقد ورد في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق: فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً، وأشار صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه”[3].

ولكي يتفادى المسلم هذا الموقف العصيب وينجو من أهواله عليه أن يكون ضمن السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله وهم: “الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقها عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً، ففاضت عيناه”[4].

ويزداد هول الموقف، حتى يتمنى أهل النار أن يصرفوا ولو إلى النار، وعندئذ يلجأ الناس إلى من يشفع لهم عند ربهم، فتكون الشفاعة العظمى كما سنبين بعد ذلك.


[1] راجع شرح الجوهرة، ص212-213.

[2] متفق عليه، صحيح البخاري، رقم (6162)، باب كيف الحشر، 5/2390، وصحيح مسلم رقم (2859)، باب فناء الدنيا، 4/2193.

[3] صحيح مسلم، رقم (2864)، باب فضل إخفاء الصدقة، 2 /715.

[4] صحيح مسلم، رقم (2864)، باب في صفة يوم القيامة، 4 /2196.

 

قد يعجبك ايضا