موقع أ.د مصطفى مسلم
الموقع الرسمي لفضيلة الأستاذ الدكتور مصطفى مسلم

الإيمان بالملائكة

شارك في التأليف: الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي.

تعريف الملائكة والإيمان بهم:

تعريف الملائكة في اللغة: الملائكة جمع مفرده “ملك” أو “ملاك” مأخوذ من “ألك” أي أرسل والألوكة بمعنى الرسالة[1]، يقول تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ ﴾ [فاطر: 1]، ويقول سبحانه: ﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ… ﴾ [الحج: 75].

وفي الاصطلاح: الملائكة عالم غيبي غير محسوس لا يعلم حقيقته إلا الله تعالى وإن كان البعض قد قام بتعريفهم بأنهم:

“مخلوقات لطيفة نورانية، قادرة على التشكل بأشكال مختلفة، في أشكال حسنة، شأنها الطاعة التامة والتسبيح الدائم[2]” فهم ﴿ … لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]، وهم ﴿ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ ﴾ [الأنبياء: 20].

الإيمان بالملائكة ركن من أركان الإيمان الستة، بل إنه هو الركن الثاني بعد الإيمان بالله عز وجل، وذلك من خلال آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم يقول تعالى: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ… ﴾ [البقرة: 285]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل المشهور حينما سأله عن الإيمان: “الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره”[3].

وهذا يدل على عظم منزلة الإيمان بهم، ومكانتهم ضمن الأركان الستة، فالإيمان بهم ثابت بالقرآن الكريم، والسنة النبوية والإجماع، ولذلك فإن منكر وجود الملائكة كافر بالإجماع، يقول تعالى: ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً ﴾ [النساء: 136].

خلق الملائكة:

خلق الله الملائكة من نور، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم”[4].

ومن خلال آيات القرآن الكريم، يتبين لنا أن الله عز وجل قد خلقهم قبل أن يخلق الإنسان، حيث يقول تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ… ﴾ [البقرة: 30]، ويقول سبحانه: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [الحجر: 28-29].

ومعنى ذلك أنهم كانوا موجودين قبل أن يخلق الله الإنسان، لأنه سبحانه خاطبهم بشأن خلقه، فهم إذن متقدمون في الخلق على خلق الإنسان.

طبيعتهم وكثرتهم:

طبيعة الملائكة:

تختلف طبيعة الملائكة عن طبائع الإنسان والجن، فهم مطهرون من الشهوات الحيوانية، ومبرؤون من الميول النفسية، ومنزهون عن الآثام والخطايا، وهم أيضاً لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون ولا يتناسلون، ومن أجل ذلك فإنهم لا يوصفون بذكورة أو أنوثة، ومن وصفهم بالأنوثة فقد كفر لأنه قال بقول الكفار الذين يقول سبحانه وتعالى عنهم: ﴿ وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ﴾ [الزخرف: 19].

ويقول تعالى: ﴿ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ ﴾ [النحل: 57].

ومن وصفهم بالذكورة فقد فسق لأنه قال فيهم قولا ًبغير علم.

أما قوله تعالى: ﴿ وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً ﴾ [المرسلات: 1]، ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً ﴾ [النازعـات: 1]، وغيرها فالتاء هنا لتأنيث الجمع، بمعنى الفرق والطوائف والجماعات.

كثرتهم: يقول تعالى: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ﴾ [المدثر: 31]، فلا يعلم عدد الملائكة إلا الله عز وجل، ولكن وردت أحاديث تبين مدى كثرتهم، حيث يقول صلى الله عليه وسلم “أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجداً لله”[5]. وجاء في حديث الإسراء المطول والمخرج في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعد أن عرج به إلى السماء السابعة: “فإذا أنا بإبراهيم مسنداً ظهره إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه”[6].

أصناف الملائكة ووظائفهم:

دل الكتاب والسنة على أصناف الملائكة، وأنها موكلة بأصناف المخلوقات، وأنه سبحانه وكل بالجبال ملائكة، ووكل بالسحاب والمطر ملائكة، ووكل بالرحم ملائكة تدبر أمر النطفة حتى يتم خلقها، ثم وكل بالعبد ملائكة لحفظ ما يعمله وإحصائه وكتابته، ووكل بالموت ملائكة، ووكل بالسؤال في القبر ملائكة، ووكل بالأفلاك ملائكة يحركونها، ووكل بالشمس والقمر ملائكة ووكل بالنار وإيقادها وتعذيب أهلها وعمارتها ملائكة، ووكل بالجنة وعمارتها وغراسها وعمل آلاتها ملائكة.

فالملائكة أعظم جنود الله، ومنهم: المرسلات عرفاً، والناشرات نشراً، والفارقات فرقاً، والملقيات ذكراً، ومنهم: النازعات غرقاً، والناشطات نشطاً، والسابحات سبحاً، فالسابقات سبقاً، ومنهم: الصافات صفاً، فالزاجرات زجراً، فالتاليات ذكراً، ومنهم: ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، وملائكة قد وكلوا بحمل العرش، وملائكة قد وكلوا بعمارة السماوات، والصلاة والتسبيح والتقديس، إلى غير ذلك من أصناف الملائكة التي لا يحصيها إلا الله تعالى[7].

• رؤساء الملائكة:

أما رؤساؤهم فهم كما يقول شارح الطحاوية الأملاك الثلاثة: جبريل وميكائيل وإسرافيل الموكلون بالحياة، فجبريل موكل بالوحي الذي هو حياة القلوب والأرواح، وميكائيل موكل بالقطر الذي به حياة الأرض والنبات والحيوان، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور الذي به حياة الخلق بعد مماتهم[8].

• أوصاف جبريل عليه السلام:

لكن جبريل عليه السلام رئيس الملائكة، قد خصه عز وجل بمنزلة خاصة حيث ورد ذكره بعد ذكر الملائكة ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا ﴾ [القدر: 4]، من باب عطف الخاص على العام؛ لأهميته وعلو منزلته وورد ذكره باسمه في أكثر من آية من آيات القرآن الكريم: ﴿ قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ ﴾ [البقرة: 97]، ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ﴾ [التحريم: 4]، ووصفه الله بالأمانة والطهر فقال تعالى: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴾ [الشعراء: 193]، وقال سبحانه ﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ﴾ [النحل: 102]، ووصفه بعدة أوصاف فقال تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ﴾ [التكوير: 19-21].

وقال سبحانه: ﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ﴾ [النجم: 5-6]، ورآه رسول الله صلى الله عليه وسلم بصورته الملائكية فقال: “فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض”[9]، وفي رواية أخرى في الصحيحين أنه “رأى جبريل له ستمئة جناح”[10].

وكان يتنزل عليه في صورة بشرية مثلما ورد في حديث جبريل في الصحيحين: “طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد…”.

وأحياناً أخرى في صورة دحية الكلبي، مثلما كان يتنزل على الأنبياء السابقين، حيث نزل ومعه ملكان على الخليل إبراهيم عليه السلام كرجال ظنهم الخليل أنهم ضيوف فقدم لهم الطعام، لكنهم لم يأكلوا ولم يشربوا كما ورد في قصة ضيف إبراهيم في القرآن الكريم، وتنزل على نبي الله لوط عليه السلام كذلك، مثلما تنزل على الصديقة مريم عليها السلام. يقول تعالى: ﴿ فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً ﴾ [مريم: 17].

واجبنا نحو الملائكة:

وإذا كان الملائكة يستغفرون للذين آمنوا – كما ورد في القرآن الكريم – ويحضرون مجالس الذكر، ويحفون بمجالس العلم وتلاوة القرآن الكريم ومدارسته، ويتعاقبون فينا بالليل والنهار، فإن الواجب على المؤمن أن يؤمن بهم تمام الإيمان، وأن يرعى حق صحبتهم، وحفظهم له، وتعاقبهم عليه، ومراقبتهم له، فهم يلازمون الإنسان في أدوار حياته، وبعد مماته، ومن أجل ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: “إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم إلا ثم الغائط، وحين يفضي الرجل إلى أهله، فاستحيوهم وأكرموهم”[11].

من كتاب الثقافة الإسلامية


[1] راجع المفردات في غريب القرآن للأصفهاني، ص82، دار القلم، بدمشق 1997.

[2] راجع شرح المقاصد للتفتازاني، ج5، ص62، تحقيق د. عبدالرحمن عميرة، عالم الكتب بيروت وشرح الجوهرة للبيجوري، ص162.

[3] متفق عليه، رواه البخاري، رقم (50)، واللفظ لمسلم، رقم (8) باب من الإيمان والإسلام .. 1/36.

[4] رواه مسلم عن أم المؤمنين عائشة، رقم (2996)، باب في أحاديث متفرقة 4/2294.

[5] أخرجه الترمذي وحسنه (2312) باب في قول النبي لو تعلمون ما أعلم 4/556، وابن ماجة (4190).

[6] متفق عليه، البخاري (3035)، ومسلم (162) واللفظ له، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم 1/145.

[7] راجع شرح العقيدة الطحاوية، ج2، ص459-460، مؤسسة الرسالة – بيروت.

[8] راجع المصدر السابق، ص461.

[9] رواه البخاري في صحيحه، انظر الحديث رقم (4) باب كيف كان بدء الوحي، 1/5.

[10] متفق عليه، البخاري (3060)، ومسلم (174) عن ابن مسعود باب في ذكر سدرة المنتهى 1/158.

[11] أخرجه الترمذي (2800) من حديث ابن عمر باب ما جاء في الاستتار ثم الجماع، 5/112، وقال حديث غريب.

قد يعجبك ايضا