موقع أ.د مصطفى مسلم
الموقع الرسمي لفضيلة الأستاذ الدكتور مصطفى مسلم

ارتباط الأخلاق بالعقيدة في الإسلام

شارك في التأليف: الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي.

من أهم الأسس التي يقوم عليها النظام الأخلاقي في الإسلام – إن لم يكن أهمها وأخطرها على الإطلاق – أساسُ الإيمان أو العقيدة، أو كما سماه البعض “الأساس الاعتقادي”، وهذا الأساس يعتبر السند الذي يعتمد عليه في إقامة النظام الخلقي وفي عملية الالتزام به، فبدون هذا الأساس تفقد الأخلاق قدسيتها وعظم تأثيرها في الإنسان، ولا يمكن أن تطبق الأخلاق تطبيقاً عملياً دقيقاً في السر والعلن إلا إذا اتخذ هذا الأساس في قلوب البشر مكاناً وآمنوا به إيماناً صادقاً.

ذلك لأن العقيدة التي يقوم عليها الدين هي التي تجعل للأخلاق فعالية وإيجابية مؤثرة إذ أن الفكرة المجردة كما يقول ألكسيس كاريل “لا تصبح عاملاً فعالاً إلا إذا تضمنت عنصراً دينياً، وهذا هو السبب في أن الأخلاق الدينية أقوى من الأخلاق المدنية إلى حد تستحيل معه المقارنة، ولذلك لا يتحمس الإنسان في الخضوع لقواعد السلوك القائم على المنطق، إلا إذا نظر إلى قوانين الحياة على أنها أوامر منزلة من الذات الإلهية”[1].

ويرجع ذلك إلى القداسة التي تضفيها العقيدة على النظام الأخلاقي في الإسلام، وهذه القداسة تجعل لها في النفوس مهابة تتحكم في تصرفات الإنسان في السر والعلن، تولد لديه إحساساً يجعل من نفسه رقيباً داخلياً يدفعه إلى مراعاتها حتى ولو كان في مأمن من أعين الرقباء. وهذا ما لا يتوفر في القوانين الوضعية، فالتحايل عليها ميسور، والهرب من عقوباتها ممكن، وسلطانها على الظاهر لا على الباطن.

يذكر أستاذنا الدكتور محمد عبدالله دراز أن الإنسان يساق من باطنه لا من ظاهره، وليست قوانين الجماعات ولا سلطان الحكومات بكافيتين وحدهما لإقامة مدينة فاضلة تحترم فيها الحقوق، وتؤدي الواجبات على وجهها الكامل، فإن الذي يؤدي واجبه رهبة من السوط أو السجن أو العقوبة المالية، لا يلبث أن يهمله متى اطمأن إلى أنه سيفلت من طائلة القانون، ويرى أنه من الخطأ البين أن نظن أن نشر العلوم والثقافات وحدها ضماناً للسلام والرخاء، وعوضاً عن التربية والتهذيب الديني والخلقي: ذلك أن العلم سلاح ذو حدين؛ يصلح للهدم والتدمير، كما يصلح للبناء والتعمير، ولا بد من حسن استخدامه من رقيب أخلاقي يوجهه لخير الإنسانية، وعمارة الأرض، لا إلى نشر الشر والفساد.

ذلك الرقيب هو العقيدة والإيمان، معنى ذلك أنه ليس على وجه الأرض قوة تكافئ قوة التدين والعقيدة أو تدانيها في كفالة احترام القانون وضمان تماسك المجتمع واستقرار نظامه والتئام أسباب الراحة والطمأنينة فيه. فليست كل مهمتها أنها المبعث القوي لتهذيب السلوك، وتصحيح المعاملة، وتطبيق قواعد العدل ومقاومة الفوضى والفساد، بل إن لها وظيفة إيجابية أعمق أثراً في كيان الجماعة، ذلك أنها تربط بين قلوب معتنقيها برباط من المحبة والتراحم لا يعدله رباط آخر من الجنس أو اللغة أو الحوار أو المصالح المشتركة[2].


[1] راجع علم الأخلاق الإسلامية، ص126، والأخلاق بين الفلسفة والإسلام، ص178.

[2] راجع الدين، ص98-101، دار القلم بالكويت.

 

قد يعجبك ايضا