موقع أ.د مصطفى مسلم
الموقع الرسمي لفضيلة الأستاذ الدكتور مصطفى مسلم

أهمية الأخلاق وضرورتها للحياة الإنسانية

شارك في التأليف: الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي.

لا شك أن الأخلاق تعتبر على جانب كبير من الأهمية بالنسبة للحياة الإنسانية، بل إنها تمثل ركناً أساسياً في هذه الحياة سواء كان ذلك على مستوى الفرد أم على مستوى المجتمع.

الأخلاق ضرورة فردية:

سوف تظل الأخلاق حاجة أساسية للإنسان وبدونها يصبح الإنسان ذئباً لأخيه الإنسان مما لا يتيسر معه إقامة حياة اجتماعية سليمة وترجع هذه الحاجة إلى أن غرائز الإنسان متعددة ومتنوعة، معقدة غير سهلة، مركبة غير بسيطة فمنها الفردي الذي يدفع إلى الأثرة والأنانية والبخل، ومنها الاجتماعي الذي يدعو إلى التعاون والإيثار والكرم، ومنها ما يهبط إلى حضيض المادة، ومنها ما يسمو به إلى أفق الروح؛ ذلك أن الإنسان نفسه مخلوق مركب، في كيانه جزء أرضي وجزء سماوي، هو جسد وروح، شهوة وعقل، وإنسان وحيوان، وملاك وشيطان، ولذا عرفه بعض الفلاسفة – نظراً لاتصاله بعالم الروح وعالم المادة – فقال: “الإنسان مواطن في عالمين”.

ويذكر الفيلسوف البريطاني المعاصر “برتراندرسل” أن الإنسان أكثر تعقيداً في نزعاته ورغباته من أي حيوان آخر، فهو ليس اجتماعياً تماماً مثل النمل والنحل، ولا هو انفرادي تماماً مثل الأسود والنمور، ولأننا لسنا اجتماعيين تماماً فنحن في حاجة إلى أخلاق لتوحي لنا بالأهداف، وإلى قواعد أخلاقية لتفرض علينا قواعد التصرفات، بخلاف النحل فإنه -كما يبدو- ليس في حاجة إلى شيء من هذا فهو يتصرف بما تمليه عليه مصلحة الجماعة، ومعنى ذلك أن الإنسان في حاجة إلى الأخلاق، لأنها توائم بين غرائزه وتهذب طبيعته، وتوجهه إلى السلوك اللائق به في الحياة كأفضل مخلوق اختصه الله تعالى بالخلافة عنه في الأرض، وجعل رسالته عبادته وطاعته عز وجل[1].

 

الأخلاق ضرورة اجتماعية حضارية:

وإذا كان الإنسان في حاجة إلى الأخلاق، فإن المجتمع لا يقل عنه في حاجته إليها، فكما أن الفرد يضيره ويفسده أن يكون كاذباً مرائياً حسوداً خائناً ماكراً ظالماً، كذلك يفسد المجتمع بشيوع هذه الصفات في أفراده، فالأخلاق هي الدعامة الأولى في بناء كل مجتمع سليم، وهي ضرورة إنسانية لازمة لحياة المجتمع لأنها توضح أساليب التعامل الاجتماعي مثل العدالة والمساواة والتعاون والإخلاص والصدق والوفاء والعفة ولعلنا لا نكون مبالغين إذا قلنا إن الأخلاق ألزم للإنسانية من العلم، فلا توجد أمة سعيدة مترابطة بدون الأخلاق مهما بلغت من التقدم العلمي، وها هي الحضارة الغربية ركزت على العلم وأهملت الأخلاق والقيم، ولذلك فإن أبناءها يعانون كثيراً من الأمراض النفسية والعصبية، والإحصائيات تشير إلى ارتفاع معدلات الانتحار وخاصة بين الشباب.

فالأخلاق هي سر بقاء الأمم، ولا بقاء لأمة تفرط في أخلاقها وتتهاون في قيمها ومبادئها الروحية وصدق الشاعر في قوله:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ♦♦♦ فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

 

ولكي يتبين لنا مدى ضرورة الأخلاق لدوام الحياة الاجتماعية وتقدمها من الناحيتين المادية والروحية فعلينا أن نتصور حياة مجتمع أهملت فيه الأخلاق الفاضلة، وسادت بين أفراده الخيانة والفسق والكذب والغش والسرقة وسفك الدماء، والتعدي على الحرمات والحقوق، كيف يمكن أن تكون هذه الحياة؟ لا شك في أن هذه الحياة تكون جحيماً لا يطاق، ويتحول الناس إلى وحوش ضارية بعد أن تخلوا عن كل المعاني الإنسانية، ويشقون شقاء ما بعده شقاء، لأن الإنسان سيكون في هذا المجتمع أداة هدم وتدمير، سيكون وحشاً ضارياً لا يهمه إلا تحقيق أطماعه وإشباع غرائزه ونزعاته؛ نزعات التسلط والتجبر والأنانية والانتقام والكبر والطغيان، وإذا استخدم هذه القوى في الفساد أهلك الحرث والنسل، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴾ [البقرة: 205].

وهكذا فإن الأخلاق ضرورة فردية وضرورة اجتماعية فهي ملاك الفرد الفاضل، وقوام المجتمع الراقي، يبقى ويستقر ما بقيت، ويذهب ويتلاشى إن ذهبت، بل لا حياة له بغيرها يقول الشاعر:

وإذا أصيب القوم في أخلاقهم ♦♦♦ فأقم عليهم مأتماً وعويلا

 

ويقول آخر:

وليس بعامر بنيان قوم ♦♦♦ إذا أخلاقهم كانت خرابا[2]


[1] راجع تفصيل ذلك في الأخلاق بين الفلسفة والإسلام، ص20-21، والإيمان والحياة للدكتور القرضاوي، ص171-172.

[2] راجع تفصيل ذلك في علم الأخلاق الإسلامية للدكتور مقداد يالجن، ص108-122، وكتابه الآخر “التربية الأخلاقية الإسلامية”، ص162-183، والأخلاق بين الفلسفة والإسلام، ص21-23، والإيمان والحياة، ص173.

 

قد يعجبك ايضا